المرجع السيد محمد حسين فضل الله تواصل العلم والإيمان تكامل العروبة والإسلام
في فكر المرجع والعلامة السيد محمد حسين فضل الله (رحمه الله)? كما في شخصيته المميزة وسيرة حياته وسجل مواقفه من التنوع والغنى والعطاء وعمق النظر ورحابة الأفق? ما يحتاج إلى كتب ومجلدات لكي تفي الرجل الكبير بعض حقه? بل لكي تغرف من معين ثقافته وعلمه ودماثته ينابيع متجددة لأجيال لم تولد بعد.
لكنني في لحظة وداعه سأتوقف عند ثلاثة أمور اعتقد أن سماحة الإمام المجاهد قد ترك من خلالها إرثا?ٍ لكل المهمومين بحرية الأمة ووحدتها ونهضتها.
أولها دوره الكبير في توفير الزخم الروحي والتعبئة العقائدية والمواقف الصلبة لانطلاقة المقاومة اللبنانية المجاهدة بعد الغزو الصهيوني عام 1982 بما جعله عن حق الأب الروحي لتلك المقاومة والهدف الرئيسي لأعدائها لسنوات عديدة? وكلنا يذكر انفجار بئر العبد في أواسط الثمانينات الذي أودى بالمئات من الشهداء والجرحى الأبرياء فيما كان المجرمون يحاولون اغتيال الرمز الجهادي الكبير. صاحب شعار ” حين يكون هناك احتلال لا بديل عن المقاومة”.
وبقدر حرص سماحته على انطلاق المقاومة ورعايتها وتوجيهها والدفاع عنها كان حرصه على الوحدة الوطنية اللبنانية التي فهمها العلامة الراحل فهما?ٍ ميثاقيا?ٍ اصيلا?ٍ? وقد قال لي مرة انه تأثر في فهمه هذا بخاله الوزير السابق الراحل علي بزي احد ابرز الشخصيات الوطنية والقومية والاستقلالية والميثاقية في جبل عامل.. وكأن بمثاقية هذا المرجع الإسلامي الكبير هي الترجمة العصرية “للصحيفة” التي اعتمدها الرسول العربي الأكرم (ص) في تعامله مع أهل المدينة المنورة (يثرب) على تنوعهم بعد الهجرة إليها.
وثانيها هي فهمه العميق للعلاقة بين العروبة والإسلام? وهو فهم عب?ر عنه في غير مناسبة? وفي غير مقابلة? وفي غير محاضرة? فاتحا?ٍ الطريق? مع عدد من كبار الإسلاميين والعروبيين? الطريق لنقل العلاقة بين التيارين الإسلامي والقومي الأمة من علاقة تناحر إلى علاقة تحاور? ومن مناخان التصادم إلى أجواء التفاهم? ومن تغليب عناصر التلاقي بما يخدم وحدة الأمة ونهضتها ومجابهتها لكل التحديات على عناصر.
وهنا أذكر انه في مطلع عام 1986? وكانت محاولات إشعال الصدام المفتعل بين العروبة والإسلام في ذروتها? وكانت الشعارات المضادة تملأ جدران العاصمة بعضها يرى في العروبة”صهيونية” أخرى تعادي الإسلام? وبعضها يرى في الإسلام “ظلامية” تعيق تقدم الوطن? أطلق السيد فضل الله من على صفحات “المنابر” – وكانت مجلة ثقافية عربية – معادلته الشهيرة “الإسلام يعتبر العروبة ساحته الفضلى التي تحمل بساطته ووجدانه” التي أثارت حينها تساؤلات في صفوف بعض الإسلاميين? وشكوكا?ٍ في مصداقيتها لدى بعض العروبيين.
وثالثها هو حرصه الدقيق على أن يقدم الإسلام على حقيقته بعيدا?ٍ عن كل تشويه او غل?و? بل ان يقيم تواصلا?ٍ لا بد منه بين الإيمان والعلم? فلا يشعر المؤمن للحظة بإمكانية الاستغناء عن العلم والتفكير العلمي? ولا يستخف رجل العلم لوهلة بعظمة الموارد الروحية التي ينطوي عليها الدين.
كان يدرك أن الإيمان يقوى بالعلم? والعلم يتحصن بالدين? لذلك كان مسلمون كثر? من شتى المذاهب? ينتظرون ما يقوله العلامة الكبير عن مواعيد الأعياد الدينية? ويتوحدون حول رأيه? فيما كان غير المسلمين ينظرون باحترام وإعجاب لهذا المرجع الديني الذي يضع تطور العلم في خدمة موجبات الإيمان.
وإذا كان عطاؤه المتعدد والمتجدد كبيرا?ٍ في حياته? فان ما تركه من أفكار ورؤى ومؤسسات سيبقى حاضرا?ٍ رغم غيابه.. وستبقى سيرته هادية لأجيال وأجيال من المؤمنين على مر? الزمن.
رحم الله فقيد لبنان والأمة الكبير