مزرعة بعوض
لم اكن اتخيل انه من الممكن ان اصبح شخصا مهما جدا (في آي بي)وذلك بمجرد قيامي بدفع مبلغ 40 دولار اجرة التكسي التي ستقطع المسافة التي لا تزيد عن ثلاثة كيلومترات,بين نقطتي العبور على ضفتي? النهر.فقد كانت كل افتراضاتي قائمة على اساس ان هؤلاء المهمين جدا,هم اشخاص خارقون,ولا يشبهوننا,لكنني وجدتهم أناس عاديين,واغلبهم من المسنين والعجائز,حيث انتظرنا في الاستراحة المكيفة,بينما كان يقوم الموظفون بإنجاز المعاملات على اكمل وجه,وبينما كنت أرشف فنجان القهوة العسمل?ي واذا بالدكتور المحترم يتقدم في القاعة ويتجاوزني بدون رد? التحية,علما بأن? عيني? ونظارتيه تقاطعتا ملي?ا
دارت الذاكرة في “الهارد ديسك “الى ذلك اليوم من عام 1991 عندما اتصل بي الدكتور المحترم بعد حرب الخليج الاؤلى عندما جفت مصادر التمويل طالبا مبلغ سبعة الاف دولار ,دعما لأحد الاخوة المتفرغين الذ ي سيتم الاستغناء عن خدماته في التفرغ-وما زلت احتفظ بصورة الفاكس-للذكرى,طبعا لم ارسل له سبعة الاف بل الفين دولار فقط,على امل استرجاعها بعد ستة أشهر حسب الرسالة,وبما انني كنت من المصدقين بجدية عملنا في تلك الفترة,فلم اطالب بالمبلغ الا بعد انكشاف بعض الخروقات المالية ,ولم استرد? اي جزء منه ليومك والليلة.
المهم اني خرجت من القاعة بعدما نادوا علي? للركوب في الحافلة,لكني وكالعادة..رجعت للقاعة لأتفقد المكان فربما نسيت شيئا ,فإذا بالدكتور المحترم يجلس مكاني ,عندها لم يكن لديه مخرج فاضطر? للترحيب :اهلا ابراهيم ..انت هون?
هلا دكتور ..آه والله انا هون,سألني رايح وللا جايي
اجبت والله الى فلسطين
سألته شو اخبارك دكتور?اجاب والله انا طلعت من وزارة ال..واصبحت سفيرا في دولة ال..,قلت ممتاز اريح لك لأن هذه الدولة لا يوجد فيها جالية كبيرة
اجاب نعم حوالي الف شخص اغلبهم طلاب ورجال اعمال
في هذه الاثناء كان السائق ينتظر منزعجا لأني أخ?رته,فود?عت الدكتور وقلت للسائق مازحا يارجل هذا سفير دعني (اتمل?س)أتبارك منه,لكن بيني وبينه قلت ..أخت هيك سفرا
ضحك السائق وركبنا متجهين غربا,حيث تجاوزنا في مدة عشر دقائق اكثر من عشرة حافلات محملة بما لا يقل عن خمسمائة من النساء والاطفال والرجال,وفي درجة حرارة لا تقل عن 45 مئوي وكلها واقفة وتنتظر اشارة من الجندي لتتحرك بانتظام وحسب الاوامر,
وبعد “دخولنا بسلام آمنين”لم نعد مهمين ابدا فقد عوملنا كعشرات الاخرين الذين ليسوا مهمين وانتظرنا ساعات حتى تمت المعاملات فانطلقنا الى الاستراحة الاخرى حيث لم نجد هناك استراحة فقد علمنا انه قد تم تدميرها لأعادة اعمارها
استقليت السيارة الى البلدة,وبعد الوصول والاستقبال والاكرام ,حان وقت النوم فاقترح “المضيف ان ننام على سطح البيت وافقت وياليتني لم اوافق ,حيث كنت فريسة سهلة لأسراب البعوض المدج?ن التي كانت تقوم بغارات ليلية منظمة لامتصاص دمي,وقد نجحت في كل غاراتها,استيقظت الساعة الثالة صباحا بعد فترة نوم لاتزيد عن الساعتين حيث كنت في انتظار الفرج من المؤذن حيث ايقظت مضيفي لأداء صلاة الفجر ,ولأنقاذ نفسي من هذا المأزق
وفي الصباح سافرت الى رام الله حيث التقيت صديقي ابوعمر فبادرني بالسؤال عن احوالي وعن البلدة فأجبته لقد امضيت ليلة ممتعة في المزرعة,فاستفسر عن ماهية المزرعة فأجبته انها مزرعة بعوض ضحك ابوعمر وغي?رنا الموضوع ,حيث ابديت له استغرابي من البعوض لأن له عادات شبيهة بعادات بعض افراد الجنس البشري فهو
“يعيش في الاوساخ ويمتص دماء الناس “,