العظماء يرحلون في تموز وفي تموز تحل المصائب
…….تموز علامة سيئة جدا?ٍ وشهر المآسي والخسارات الثقيلة في سفر النضال الوطني الفلسطيني?ففيه رحل قادة عظام لشعبنا الفلسطيني?لكل منهم فلسفته الخاصة ومدرسته النضالية الخاصة?ففي الثالث من تموز رحل عملاق من عملاقة النضال الوطني الفلسطيني?قائد كان له بصماته في سفر النضال والثورة وعلى يديه تربت الكثير من الأجيال والكوادر والقادة من فتح والثورة الفلسطينية?وهو قائد التحم بالفقراء من هذا الشعب وكان زاهدا?ٍ في الحياة?لم تتسلل إليه أمراض بعض القادة من بذخ وترف وفساد وشللية ومحسوبيات وفشخرة إعلامية واستعراضات?امتاز بالجرأة والأقدام في العمل الثوري?ويكفينا فخرا?ٍ أنه كان سنديانة عملاقة للثورة? وواحدا?ٍ من الذين قادوا عملية أدمت الاحتلال كثيرا?ٍ?ووضعت الثورة الفلسطينية ومأساة شعبها وتشرده في المنافي ومخيمات اللجوء على خارطة العالم?حيث عملية ميونخ والتي كانت شكلا?ٍ من أشكال النضال من أجل تحرير أسرانا من السجون الإسرائيلية?هؤلاء الأسرى الذين مضى على وجود البعض منهم ثلاثين عاما?ٍ فما فوق في سجون الاحتلال?وهو يرفض إطلاق سراحهم ويمعن في إذلالهم وقهرهم ويخضع ملفهم للابتزاز السياسي?والراحل أبو داود عوده هذا القائد العملاق?أدرك جيدا?ٍ أن الاحتلال بغطرسته وعنجهيته?لن ولم بمنح أسرانا حريتهم على طبق من ذهب?فكانت عملية ميونخ الشهيرة من أجل هذا الهدف?ومن اجل أن تثبت للعدو قبل الصديق بأن ثورتنا ستمارس كل أشكال النضال من أن تنبه العالم وضميره إلى مأساة شعبنا المستمرة?وأن تسلط الضوء على قضية أسرانا في سجون الاحتلال وزنازينه?هؤلاء الأسرى الذين بدون نيلهم لحريتهم لن يكون هناك سلام بالمطلق في المنطقة.
رحل أبو داود القائد لينضم إلى قائمة العظماء وعمالقة الثورة أبو عمار والحكيم وكمال ناصر وكمال العدوان وأبو يوسف النجار ووديع حداد وأبو جهاد وابو اياد وابو الهول وابو علي مصطفى والشقاقي والرنتيسي واحمد ياسين وابو العباس وغيرهم.
هؤلاء القادة رحلت أجسادهم ولكن بقيت أفعالهم وأعمالهم وسيرهم وتاريخهم النضالي والثوري.
والقائد أبو داود ليس الوحيد من قادة شعبنا الذين رحلوا في تموز ?بل رحل قادة عظام آخرون ففي الثامن من هذا الشهر عام 1972?اغتالت إسرائيل أحد أبرز قادة الثقافة والفكر والأدب والنضال الفلسطيني?أنه الكاتب المبدع والأديب الملتزم والثوري غسان كنفاني?اغتالته إسرائيل بأدواتها الإجرامية في قلب بيروت?لكونها تدرك خطورة الثقافة والوعي على وجودها?وغسان كان مدرسه ثورية بحد ذاته قاتل على كل الجبهات الثقافة والأدب والسياسة?وهو من بشر بشعراء المقاومة الراحل الكبير محمود درويش والراحل توفيق زياد وراشد حسين وغيرهم?وهو الذي قال عنه الراحل الكاتب الكبير يوسف ادريس يا شعب فلسطين إقرؤا كتب غسان مرتين مرة لتعرفوا أنكم موتى بلا قبور قبور الثقافة بلا ثورة والثورة بلا ثقافة” والراحل الشهيد غسان كنفاني الذي علم بأن الإنسان موقف وقضية?وهو الذي دعا شعبنا إلى دق جدران الخزان ونبذ الحل والخلاص الفردي?وحلل بشكل رائع أسباب فشل ثورة 36?وكتبه ورواياته جميعا?ٍ عكست الهم والواقع الفلسطيني?وكانت كلماتها مقاتلة مبشرة ومحرضة وداعية شعبنا للصمود والتغير وأخذ صمام أموره بنفسه?
ولم يكتفي تموز بأبي داود وغسان?حيث امتدت يد الغدر والخسة والعمالة لتطال واحد من أبرز رسامي الكاريكاتير وحملة الريشة?ليس على المستوى الفلسطيني والعربي? بل على المستوى العالمي أنه الشهيد ناجي العلي الذي رحل في لندن في الخامس والعشرين من عام 1987?وناجي العلي رسوماته وكاريكاتيراته كانت بمثابة المرأه العاكسة للواقعين العربي والفلسطيني?حيث صب فيها جام غضبه وسخط ريشته على المتكرشين من البرجوازية العربية والفلسطينية وقادة النظام الرسمي العربي?ولم تسلم من ريشته أغلب الفصائل الفلسطينية من نقد لبرامجها وتصرفاتها وبرامجها وسياساتها?وناجي كان مدرسة بحد ذاتها في التحريض والنضال والثورة?فواحدة من كاريكاتيراته كانت كفيلة بترجمة دقيقة وأمينة للحالة الفلسطينية والعربية في تلك اللحظة أو الظرف أو المرحلة?وما حذر منه العلي قبل حوالي ثلاثة وعشرين عاما?ٍ?بأن أمريكا وإسرائيل لن تمنحان الشعب الفلسطيني دولة بل خازوقا?ٍ نجد ترجماته على أرض الواقع الآن?حيث مفاوضات عبثية مستمرة ومتواصلة منذ ما يزيد على ثمانية عشر عاما?ٍ والنتيجة لم تزد على صفر مئوي?بل وأبعد من ذلك زيادة في الشرذمة والانقسام والضعف الداخلي الفلسطيني والصراع على سلطة وهمية.
نعم ناجي العلي والذي كانت كاريكاتيراته تقرأ قبل أية مقالة أخرى في الجرائد التي كان ينشر بها كاريكاتيراته?دلالة على ما تحتله وتحظى به من ثقة وصدقية عند القاري?وما تعكسه وتحويه من عمق ودلالات حول الواقع العربي والفلسطيني?ومن هنا كان اغتياله لكون رسوماته كانت كاشفة للعورات ومخازي وعجز النظام الرسمي العربي?ولأنها كانت تدعو شعبنا للثورة ومواصلة الكفاح والنضال وبالأساس التمسك بحق العودة.
ومصائب تموز ليست قصرا