حقوق الفلسطينيين وظلم ذوي القربى•
قبل الاستقلال وبعده اعتبر اللبنانيون إن إيمانهم بالديمقراطية هو الأساس في إرساء الميثاق الوطني الذي يجمع بينهم? وبناء الدولة الحديثة التي ترعى شؤونهم. وجوهر الديمقراطية? الذي لا تستقيم بدونه? هو الالتزام بحقوق الإنسان التي فهم اللبنانيون أهميتها وضرورتها? جماعات وأفرادا? فأصبحوا من رعاتها ودعاتها يفاخرون بدورهم الطليعي في ترسيخ مفاهيمها وبلورة نصوصها في الوثائق الدولية وفي طليعتها شرعة حقوق الإنسان التي ساهم لبنان في صياغتها عبر شخصية متميزة اختلفنا معها في السياسة وتطبيقاتها? واتفقنا معها في النظرة إلى الشرعة أو العهود الدولية التي انبثقت منها.
هذه المقدمة لا بد منها كي يتذكر بعض اللبنانيين إن بلدهم له ارث إنساني مجيد لا يجوز القطع معه أو التعامل معه بازدواجية? وان لبلدهم ميثاق وطني راعى كل المخاوف وتجاوب مع كل التطلعات? ولا يجوز ركنه جانبا كلما اضطر اللبنانيون اتخاذ قرارات حاسمة تخصهم أو تخص أشقاءهم الفلسطينيين أو السوريين.
فكما أكد الميثاق الوطني التزام لبنان بأمن سوريا ورفضه في كل الحالات أن يكون مقرا?ٍ للعداء نحوها أو ممرا?ٍ للعدوان عليها فقد كرس “الطائف” توجه هذا الميثاق مثبتا?ٍ عروبة لبنان مؤكدا?ٍ ضرورة تجسيدها في كل الميادين حيث لا فصل بين العروبة والديمقراطية وحقوق الإنسان التي يجب أن تظلل مفاهيمها علاقتنا بأبناء الشعب الفلسطيني الذين هجر?هم الإرهاب الصهيوني وتخلت عنهم الأنظمة العاجزة وطعنهم المجتمع الدولي في صميم وجودهم.
هؤلاء الفلسطينيون يعيشون في لبنان أوضاعا مأساوية منذ عام النكبة. أنهم يعانون من مختلف أشكال التمييز والكبت والحرمان بسبب إصرار السلطات وبعض القوى السياسية على التعامل معهم كمشكلة أمنية تحتاج إلى الضبط والربط والإكراه? وأحيانا الحصار? بدلا من التعامل معهم كأخوة أشقاء نالهم ظلم البعيد والقريب وهم أهل ثقافة وعلم وعطاء يعرف القاصي والداني دورهم الرائد في التعليم والزراعة والثقافة والفنون والإعمال التجارية والمصرفية.
إن الفلسطيني في لبنان مظلوم وهو متروك لحالة الانتظار التي لا يعرف احد متى ينتهي اجلها بينما يسعى كثيرون? إما لعجز عن الاستيعاب أو نقص في الشعور? لتأييد هذه الحالة في الوقت الذي يتحدث فيه كثيرون عن المشروع الصهيوني الذي يواصل جهوده – رغم هزائمه الملموسة أمام المقاومة- لإخضاع فلسطين وقهر أهلها وتهويد قدسها ومحاصرة مدنها وبناء المستعمرات على أراضيها رافضا?ٍ الإقرار بحقوق الملكية والعودة والحياة? فضلا عن المياه والدولة والاستقلال.
وإذا كان لبنان صادقا?ٍ مع نفسه ملتزما?ٍ بالديمقراطية وشرعة حقوق الإنسان فلا يجوز أن يستمر التعامل مع الشعب الفلسطيني على هذا النحو الجارح المفتقر لأبسط القيم الإنسانية.
إن المخيمات لا يجوز أن تتحول إلى تجمعات تشرد وانسحاق أو إلى معسكرات يأس وأحقاد. فأهلها أهل كرام ويستحقون أن يتمتعوا بالحقوق المدنية والانسانية وينعموا بالعيش الكريم في ظل السيادة اللبنانية وفي ظل الأخوة القومية والإيمانية التي تجمعنا سويا وتجعلنا ابنا قضية واحدة في هذه المنطقة هي قضية الحرية والعدالة والاستقلال.
لقد عشنا نحن اللبنانيين تجارب القهر والتهجير واللجوء عند الغير? ورأينا بالملموس ماذا يعني كل ذلك من مرارات وذكريات ومعاناة? لذلك نحن الأولى والأقدر على فهم قضية الفلسطينيين وحياة المخيمات البائسة وضرورة إزالة كل المظالم إذا أردنا أن نعيش إنسانيتنا ونمارس ديمقراطيتنا. فالفلسطيني شأنه شأن أي عربي آخر? وشأنه شأن أي أجنبي? من حقه أن يتملك شقة صغيرة ومن حقه أن يعيش بحرية واطمئنان وان يكدح كاللبنانيين لتأمين لقمة العيش بدل توسل مكرمات الاونروا التي ترتفع مصاريفها الإدارية وتتراجع تقديماتها الغذائية والصحية.
إن ما جرى في مجلس النواب بالأمس نكسة كبيرة وخطيرة يجب معالجتها بالطريقة والسرعة اللتين أصر عليهما رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري كي نشعر مجددا?ٍ إن الديمقراطية في أيد أمينة والعروبة بأمان والحقوق الإنسانية في حرز حريز فنطمئن في زمن القهر والخذلان على مصير البلاد وأهلها لا بل نطمئن إلى انتصار المبادئ والقيم الخالدة التي بها يحيا لبنان ويزدهر ويتألق.