ما حقيقة التحرش الجنسي بالمرأة في اليمن..?
تنتصب بقامتها الممشوقة على جانب من ذلك السوق الذي لا يعرف لغة غير الضجيج? وكنت أراها كما نخلة – صلبة في سكون- غير أن عينيها لا تكف عن التحديق بكل وجه ? والتوسل: "خبز يا حاج .. ما تشتي ملوج اليوم يا أستاذ!".. مسكينة "سامية" ما زال ابنها يقاسي روماتيزم القلب? وإحدى بناتها الثلاث دخلت هذا العام للجامعة? فيما زوجها رحل منذ أعوام ولم ترث عنه غير الشقاء..
سامية وحدها من تلعن جمالها? فقد جربت من قبل العمل في أربع أو خمس أماكن لكنها أنى ذهبت هناك من يسيل لعابه على جسدها الممشوق? ويداهمها في ساعة غفلة? غير أنها تدافع بشراسة وفي إحداها تعرضت لضرب مبرح لمجرد أنها تحمي شرفها.. أما اليوم فمن ذا يدخل "باب السبح" ولا يتحرش – لفظيا?ٍ- بسامية? فالكل يراها جسدا?ٍ للبيع? وهي وحدها من تصف نفسها:"أم تشقى على عيالها"!
في مختلف مدن اليمن? وفي رأس كل واحدة منهن حكاية أو أكثر عن مجتمع ما انفك يصرخ بالحريات? والحقوق? والديمقراطية فيما الكثير من أبنائه ينظرون الى كل امرأة تعمل خارج بيتها على أنها صيد سهل وبعض ما يمكن شراؤه.. فالكل يعرف أنها لا تجرؤ على ارتياد أقسام الأمن للشكوى? وأنها تتحاشى الصدام مع رجل خشية أن يفتري على شرفها? وأن عليها أن تأوي الى ركن تلوك دموعها? وتبتلع أنينها بكل هدوء..!
من بين (20) امرأة عاملة في مؤسسات حكومية وأهلية وأسواق سألناهن? أكدت (18) منهن أنهن تعرضن لتحرش جنسي لفظي من أرباب العمل? أو زملاء المهنة? أو الزبائن.. وقالت (11) منهن أنهن تعرضن للتحرش باليد? و(1) فقط تعرضت لمحاولة اغتصاب ونجت منها? بينما اضطرت (6) منهن الى ترك العمل والتحول الى عمل آخر إثر مضايقات تتعلق بالتحرش الجنسي? لكن (3) فقط أكدن أنهن تقدمن بشكاوى لأرباب العمل على خلفية مضايقات من العاملين معهن.. وجميع نساء العينة التي قابلناها يعتقدن أنه لا توجد قوانين أو لوائح وظيفية تحمي المرأة العاملة من التعرض للتحرش الجنسي.
وتقول (17) امرأة من بين العشرين امرأة أنهن "لا يردن" على من يتحرش بهن لفظيا?ٍ مهما كانت الألفاظ نابية? فيما (3) فقط من بين العشرين أكدن أنهن "يردن" بإهانة الشخص المعتدي بألفاظ نابية. وأن (19) امرأة يكتمن ما يتعرضن له من إساءة لفظية عن أسرهن (سواء متزوجات أم عازبات) درء?ٍ للمشاكل ? وواحدة فقط قالت أنها تحدث أسرتها "ببعض ما تتعرض له وليس كل شيء".
وعلى الرغم من كل هذه المعاناة التي تواجهها المرأة اليمنية العاملة فإن نتائج مسح القوى العاملة للعام 2002- 2003م تؤكد أن (4.4%) فقط من (7113) منشأة أعطت أولوية التشغيل للنساء? بينما حصة الرجال (84.6%)- أي أن فرص تشغيلهن ما زالت ضيقة جدا?ٍ? والخيارات أو البدائل محدودة للغاية? الأمر الذي يجعل مسألة الانتقال من مكان عمل بسبب المضايقات التي تتعرض لها العاملة صعبة للغاية.
تذكر خديجة ع. ق.- معلمة في مدرسة أهلية- أن عدة زملاء في المدرسة التي تعمل فيها كانوا يرمقونها بنظرات غير عفوية? وأنها عندما تتحرك في أوساطهم كانت تدرك أن هناك غمز ولمز? وكثيرا?ٍ ما ورد مسامعها كلمات نابية "يتصور أصحابها أنها لم تسمعها"? وتؤكد أن وكيل المدرسة جرب ذات يوم مسك يدها إلا? أنها صرخت بوجهه? وحذرته من تكرارها فتظاهر أنه لم يكن يقصد وأنه متعود مسك يد أصدقائه عندما يسايرهم.
وتشير إلى أن أسرتها محتاجة فعلا?ٍ لمرتبها وإلا? لكانت تركت العمل حتى "يأتي ابن الحلال" ويخلصها من هذه المعاناة التي ترجع أسبابها الى قلة الثقافة? وانغلاق المجتمع? وتأثير الأفلام والمسلسلات على أخلاق المجتمع.
أما حياة م. م. فقد حصلت مؤخرا?ٍ على وظيفة كاتبة في مستشفى الثورة العام? ولكن بعد أن عملت في مكانين من القطاع الخاص.. فهي استهلت حياتها المهنية كموظفة استقبال في معهد لغات وكمبيوتر لكنها تركته بعد أسبوعين فقط جراء محاولة مدير المعهد الاعتداء عليها جنسيا?ٍ? ثم وجدت عمل كبائعة في أحد أجنحة "شميلة هاري" لكنها كانت تتعرض لمضايقات "لا حصر لها" من قبل الزبائن? بين من يتحرش لفظيا?ٍ? أو باليد? وبين من يعرض مواعدتها خارج مكان العمل ويحاول إغرائها .. وعندما كانت ينفذ صبرها وتصرخ بوجه أحدهم يستاء رب العمل? ويطلب منها مجاراة الزبائن وعدم "تطفيشهم"? ومع ذلك صبرت وتحملت ولم تترك العمل إلا? بعد أن قال لها المسئول عليها في موقف مماثل "الشريفة