الثورة أو الهجرة أو الموت..خيارات يمنية صعبة في مواجهة أزمات مستعصية
لم يبق للناس(في اليمن) إلا? ثلاثة خيارات: الثورة أو الهجرة أو الموت? هذا ما قالته المتحدثة باسم برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة الأسبوع الفائت?وهو للحق توصيف مؤثر شديد التركيز? يختزل بداخله قدرا?ٍ كبيرا?ٍ من معاني البؤس والشقاء? وينطق بحجم المعاناة والمأساة التي يعيشها الناس في هذا البلد.
العالم مذهول للوضع الكارثي الذي نعيشه ومن قدرتنا على احتماله? معتقدا?ٍ بقدرتنا أو ربما م?ْحفزا?ٍ لنا على انجاز ثورة جديدة لرفض الواقع البائس الذي نعيشه كما يفعل الأحرار في أصقاع الأرض? غير مدركين أن بوسعنا تحمل المزيد والمزيد من القهر والضيم والمعاناة التي يرونها هم فوق احتمالهم في حين نراها نحن في هذا البلد أمرا?ٍ اعتياديا?ٍ نقوى على تحمله ولا نقوى على مدافعته? مفضلين الموت جوعا?ٍ وقهرا?ٍ وكمدا?ٍ كخيار أنسب لنا من الثورة أو الهجرة! لسنا بحاجة لتجريب نماذج العراق وأفغانستان والصومال? هذا أمر جد مقنع لنا? فالموت بجرعات السلطة بل وحتى بقمعها وبطشها أهون من تلك النماذج المفزعة!!
الخيارات التي وضعتها لنا المسئولة الدولية استبعدت تماما?ٍ ما نلهث نحن وراءه في هذا البلد منذ وعينا عليه? فالحوار والانتخابات والعملية الديمقراطية لم تمثل أحد تلك الخيارات بالنسبة لها وإن كانت ما تزال تمثل خيارا?ٍ إستراتيجيا?ٍ وحيدا?ٍ بالنسبة لنا? ربما اعتقدت المسئولة الدولية انه لم يعد ثمة وقت كاف يسمح بانتظار قطار الحوار الموصل لمحطة الديمقراطية الموصلة بدورها لحياة الرفاه والأمن والاستقرار التي نبحث عنها? ربما أرادت القول ان الوقت يدهمنا فيما نحن ما زلنا منغمسين في الأخذ والرد حول مكان الحوار القادم? وكيفية الوصول إلى مباحثات عبثية ظلت طيلة الوقت تسير بنا من سيء إلى أسوأ.
لكن ومع كل ذلك? فمن حقنا أن نسأل? أي نظام هذا الذي رضي أن يقود شعبه إلى خيارات من هذا القبيل? بماذا يمكن أن يجيب وهو يسمع توبيخا?ٍ عالميا?ٍ كهذا?
تلك الخيارات التي وضعتها المسئولة الأممية لليمنيين هي بمثابة شهادة دولية لا تقبل الجدل بفشل حكومتهم وعدم استحقاقها البقاء أكثر من ذلك? وعلى الشعب أن يقرر هل ما زال يريد الاحتفاظ بها أم أنه حان وقت التغيير الشامل باهض الكلفة?
في تقرير لصحيفة الجارديان وصفت فيه الدولة اليمنية بأنها الدولة التي تعمل على إلغاء ذاتها? فبدلا?ٍ من كونها الجهة التي توفر النظام والقانون والأمن والرفاه للشعب? فقد أصبحت الدولة مصدر نخبوي لتقديم الامتيازات والثروة والسلطة لجماعة صغيرة من الناس. وتلك هي مصيبتنا في الواقع? مصيبتنا في هذه الجماعة الصغيرة التي أقامت نفسها بديلا?ٍ عن الوطن والشعب? فيما هي مستأثرة بالسلطة ومستحوذة على الثروة كحق حصري لها لا تسمح لأحد منازعتها فيهما حتى ولو كان الشعب ذاته? في الوقت الذي أفرزت الديمقراطية ألموجهه وضعا?ٍ مغايرا?ٍ لما تفرزه الديمقراطيات المحترمة? إذ سخرت الشعب لخدمة هذه الجماعة الصغيرة? وصار مجرد التفكير في مشاركتها بعضا?ِ من السلطة أو الثروة خرقا?ٍ للثوابت الوطنية? وتعديا?ٍ على المصالح العليا للوطن! وهذه الجماعة الصغيرة وفق هذا المفهوم باتت تعتقد أن حوارات الآخرين معها تؤدي بالتالي إلى منازعتها السلطة والثروة? لذا تفتقر تلك الجماعة إلى إرادة سياسية جادة لإجراء إصلاحات حقيقية? فهي تعتقد بأن أية إصلاحات حقيقية ستحد من صلاحياتها وستأتي بشركاء ينازعونها تلك الصلاحيات المطلقة التي تتمتع بها?و بالتالي فقد ساهمت الانتخابات التي أدارتها الجماعة بنفسها وعلى طريقتها في تعزيز سلطاتها ونفوذها? وصبغتها بالمشروعية الدستورية التي تعمد إلى الالتفاف عليها وقت الحاجة.
تلك الجماعة الصغيرة المستحوذة على كل شيء ?ْتبدي هذه الأيام حماسة غير معهودة للانتخابات البرلمانية? وربما حفزتها الانتخابات السودانية الأخيرة على ذلك? وبخاصة بعد أن حظيت برعاية أمريكية غير متوقعة? لذا ربما هي تتوقع دعما?ٍ دوليا?ٍ لم تحظ بمثله من قبل وبخاصة أثناء حوارها مع أحزاب المشترك في الفترة الماضية? والذي أضطرها لتوقيع اتفاق فبراير? وبالتالي فهي متحمسة كثيرا?ٍ لإنجاز العملية الانتخابية كيفما اتفق متوقعة مساندة دولية مهمومة بالأمن وملاحقة الإرهاب? غير واضعة في الحسبان أن مشروعيتها باتت وثيقة الصلة باتفاق فبراير الموقع مع المشترك? وتبعا?ٍ لذلك فالرهان اليوم هو على شرعية التوافق وليس على غيرها حتى لو كانت الانتخابات نفسها? فما لم يكن المشترك في صلب العملية الانتخابية فلا معنى لها وليست بذات قيمة? إذ ليس بمقدورها منح الشرعية التي صارت معلقة بالتوافق.
لذا أفضل لتلك الجماعة الصغيرة خيار التوافق مع المشترك كبديل عن خيارات مرعبة أولها ثورة بحسب المسئولة الدولية وأخرها الموت الذي من المؤكد أنه لن يكون بلا ثمن فيما لو تم اعتماده كخيار ثان ربما تفرضه مجريات الإحداث.