ماذا تبقى لخيار السلام العربي?
نشرت “هارتس” السبت الماضي أن الجيش “الإسرائيلي” بصدد تنفيذ قرار التهجير القسري “الترانسفير” بحق المواطنين العرب المقيمين في الضفة الغربية المحتلة من دون تصاريح “إسرائيلية”? باعتبارهم متسللين يخضعون لقانون منع التسلل الذي يقضي بحبس “المتسلل” ثلاث سنوات وتغريمه ثم طرده خارج فلسطين المحتلة . والقرار يطال ما يجاوز السبعين ألف مواطن عربي فلسطيني? بينهم نحو ثلاثين ألفا?ٍ من قطاع غزة? والباقون من مواطني القدس المحتلة يعملون في الضفة أو مقيمون فيها? أو من حملة الجوازات الأجنبية وغالبيتهم من أبناء الضفة . وذكر د .نبيل شعث? عضو “اللجنة المركزية” لفتح? أن السلطة الوطنية سبق ان تدخلت لدى الحكومة “الإسرائيلية” التي أوقفت تنفيذ القرار . فيما لم تكشف عنه السلطة الستار في حينه? ولا هي عرضته على القمة العربية في “سرت” . برغم انه لا يتهدد فقط حاضر ومستقبل سبعين الف مواطن يقيمون في بعض وطنهم التابع للسلطة? وإنما هو أيضا?ٍ مؤشر على استهداف الصهاينة تصفية الوجود العربي في فلسطين المحتلة من النهر إلى البحر? لتحقيق طموح “الدولة اليهودية” .
ولقد توالت ردود الفعل العربية والأجنبية المحذرة من تداعيات القرار على الشعب العربي في فلسطين وجوارها? وبخاصة الأردن المستهدف بمشروع “الوطن البديل” . وفي التعقيب على القرار ذكر حسن الشيخ? أحد أبرز قادة “فتح” في الزمن الراهن? أن السلطة احتجت لدى “إسرائيل” ولكنها تلقت ردا?ٍ غامضا?ٍ . فيما أشارت بعض وكالات الأنباء إلى أن الخارجية “الإسرائيلية” أبلغت الحكومة الأردنية بتجميد العمل بالقرار . ولو افترضنا جدلا?ٍ صحة ذلك فإن هذا لا يلغي خطورة سيف التطهير العرقي المسلط على رقاب المواطنين العرب في عموم فلسطين المحتلة . ما يستدعي موقفا?ٍ عربيا?ٍ رسميا?ٍ وشعبيا?ٍ يرقى إلى مستوى التحدي . موقف أبسطه? واقله كلفة? إعادة النظر جذريا?ٍ في مجمل السياسات الرسمية العربية من العدوان الصهيوني في ضوء معطيات الواقع عربيا?ٍ و”إسرائيليا?ٍ” ودوليا?ٍ .
فالنظام الرسمي العربي اعتمد ما اسماه “السلام” خيارا?ٍ استراتيجيا?ٍ في إدارة الصراع الذي فرض على الأمة العربية بإقامة الكيان الصهيوني في قلب وطنها . وهو خيار يعود بالدرجة الأولى لعقد الرهان على الإدارة الأمريكية? باعتبار انها تملك 99 % من أوراق اللعبة? وإنها المعنية بتواصل “عملية السلام”? وصاحبة القول الفصل في “الرباعية الدولية” . وفي ضوء هذه القناعة اسقط معظم الأنظمة العربية الالتزام بلاءات الخرطوم الثلاث: لا اعتراف ب”إسرائيل”? ولا مفاوضات مباشرة? ولا صلح معها . إذ في اعقاب توقيع اتفاقيتي كامب ديفيد سنة ?1979 عقد اتفاق أوسلو سنة ?1993 واتفاقية وادي عربة سنة 1994 . وعلى مدى السنوات التالية شرع الموقف الرسمي الأبواب على مصاريعها لنخب التطبيع من إعلاميين ورجال وسيدات اعمال? وليبراليين جدد? ودعاة “حوار الاديان” .
وعلى الرغم من التغيير الكيفي الذي أحدثته المقاومة في ميزان القدرات والأدوار? بحيث لم يعد مختلا?ٍ لصالح الكيان الصهيوني? كما كانت عليه الحال عشية قمة الخرطوم في خريف 1967 التي أصدرت اللاءات الثلاث . إلا أن النظام الرسمي العربي? وغير يسير من النخب السياسية والاقتصادية والإعلامية العربية? ما برحوا يرون الكيان في ضوء انتصاره المبهر في “حرب الأيام الستة”? وليس في ضوء نكسته في حرب الثلاثة والثلاثين يوما في لبنان صيف 2006 وما أعقبها في قطاع غزة المحاصر? حيث فشل الكيان في استعادة قوة ردعه? وتعرت عنصريته على الصعيد العالمي .
وبالمقابل فإنه على مدى العقود الأربعة الماضية لم يصدر عن الصهاينة? صناع قرار? وأحزاب? وأجهزة إعلام? أي موقف مكافىء لمبادرات السلام العربية? بما في ذلك مبادرة القمة التي سوقت لهم بإعلان مدفوع الأجر? مزنر بصور أعلام سبعة وخمسين دولة عربية وإسلامية مستعدة للاعتراف بالكيان والتطبيع معه? إن ارتضى الانسحاب من الضفة بما في ذلك القدس الشرقية . وعلى العكس من هذا العرض السخي مضى الكيان في تصعيد عدوانه وممارساته العنصرية? وتوسيع الاستيطان في الضفة? وتكثيف إجراءات التهويد في القدس? ومدها لتطال المقدسات الإسلامية في الخليل وبيت لحم? والتطاول على المقدسات والاحتفالات المسيحية . بل واستغلال المبادرات العربية و”عملية السلام” في تأصيل وتكثيف الوجود الصهيوني في فلسطين المحتلة من النهر إلى البحر .
أما الإدارة الأمريكية? موضوع رهان النظام الرسمي العربي? وحليف الكيان الاستراتيجي? فليس في مواقف أي من الإدارات التي توالت منذ عدوان 1967 ما يستدل منه اعارة الرهان الرسمي العربي عليها اي اهتمام . ذلك لكونها مطمئنة? بل وواثقة? بأن مصالح المركب الصناعي العسكري الأمريكي الواسعة في الوطن العربي بات لها من يحرص عليها عربيا?ٍ باعتبارها ضمانا?ٍ استراتيجيا?ٍ لمصالحه الآنية والمستقبلية . وعليه فلا يتوقع ان يخرج الموقف الأمريكي? والأوروبي بالتبعية? عن اصدار بيانات لفظية تشجب التطهير العرقي الصهيوني من دون