في ذكرى مولاي
مازلنا على العهد وسنبقى ما حيينا
ها هو العام الثالث للرحيل الموجع يشد رحاله معلنا?ٍ الأفول وبزوغ فجر عام جديد لذكرى مؤلمة في حياتنا .. إيلامها مرتبط بكونها اقتطفت منا أغلى ما نملك وسلبت منا أثمن ما معنا ( والدنا الحبيب ) .
ظهيرة الخميس الذي صادف التاسع عشر من شهر شوال سنة 1433ه كان والدنا رضوان الله عليه يصارع الموت وفي لحظة حاسمة ومباغتة كنا خلالها ما بين م?ْصل?ُ? ومتوضيء?ُ ومتسوق لم نكن على علم بما يحدث في غيب الله .. نحن على تلك الحال من الإنشغال بينما كان ملك الموت يباغتنا وهو يستل?ْ? الروح الطاهرة للأب العظيم من الجسد الشريف معلنا?ٍ نهاية ساعات احتضار الولي الكريم والعابد الزاهد المسمى أحمد بن قاسم السراجي .
السماء تبكي عالما طالما أظلته ? والأرض تبكي وليا طالما أقلته .. الحزن يلف الكون لأنك فارقته يا أبي .
لحظات عصيبة على من يعشق والده .. لحظات أسى لا يستوعبها من لم يتشرب العشق والوله .. حين تعرفها وتستوعبها فتخي?ِ?لها لتعرف سيناريو تلك اللحظات الأليمة , اللحظات الموجعة , اللحظات الحزينة على زوجة مكلومة وأبناء مفجوعين لم يكن الوالد في حياتهم شخصا?ٍ عاديا?ٍ كما هو حال اليوم .. كان عمادا?ٍ ودرعا?ٍ وكهفا?ٍ وحصنا?ٍ وملجأ?ٍ وحضنا?ٍ ومأوى ليس لنا فحسب ولكن للأسرة جميعا?ٍ وللجيران ولأبناء حوث ولكل من عرفك وعايشك .. ذلك الحزن والأسى هما شاهد الحال في وجوه الأحبة والمشيعين وأبناء حوث والعصيمات الذين شاركونا المصاب والتشييع وتقب?ِ?لوا معنا العزاء كون المصاب مصاب الجميع .
عاهدناك :
ما كنت تأمل طوال حياتك لشيء أكثر من أملك في أخوتنا .. ما كنت تتمنى أكثر من رؤيتك لنا متعاونين متحابين .. ما كان يؤلمك ويزعجك إلا علمك خلافنا أو دخول الشياطين فيما بيننا كما كان يحلو لك تسمية الخلاف .. أخوتنا كانت الأهم بالنسبة لك ? أردت أن ترى ثمار ونتائج وحصاد زرعك .
لقد عمقنا أخوتنا حتى وصلت حدا يضرب به المثل ويشار إليه بالبنان ولم نكتف بأخوة السبعة بل الأحد عشر كما هي وصيتك لنا على الدوام وامتدت جذورها العميقة الراسخة لتصل عنان السماء بين الأحفاد وسنرعاها كما رعيتها ونجذرها لتدوم برعاية الله .
لقد عاهدتك يا أبي بأن أكون كما تحب .. وإنني في ذكرى رحيلك أوأكد لك بأنني على العهد سأبقى وسأعمل كل جهد في سبيل ما عاهدتك عليه لتبقى عرى الأخوة فيما بيننا وأولادنا (( ذرية طيبة بعضها من بعض )) .
يا أعظم مفتقد غاب عنا : رحلت عنا وعن عالمك وعن الناس الذين يحبونك وسافرت إلى من هو أرحم بك من العالمين .. فهنيئا لك النعيم والفردوس الذي وعدك الله به (( جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا )) .
يا من اختارك ربي لتكون أبي فنعم الإختيار ولك الحمد يا ربي ولك الشكر على عظيم نعمتك باختياره لي أبا .
أيها الغالي في ذكرى غيابك : رحيلك جعلني كالجسد بلا روح ? كالعين بلا بصر ? كالقلب بلا نبض فماذا أقول وأنت ملاك قلبي وكلماتي عاجزة لا تفي بمكنون الفؤاد المختلج بداخله لو جلست العمر كله أكتب !! فماذا أكتب .. عن صبرك أم تعليمك أم تضحيتك أم حنانك ? عن عطفك أم سهرك أم تعبك أم معاناتك ? عن وفائك أم بذلك وسخائك أم إحساسك ? عن قلبك الكبير أم صدرك الواسع ?
ما أنا ? ما هي كلماتي ? ما تعبيري وما سحر بياني ? كله ضعيف وبلا جدوى حين يكتب عنك وعن قلبك حين توقفت نبضاته .
لو كان الفداء بيدي لفديتك .. لو كان ثمة مانع يحول بينك والموت لفعلته لكنه قدر الله وقضاؤه الغالب ولا نجد سوى التسليم (( إنا لله وإنا إليه راجعون )) .
يا أبتي : نورك في عيني ? صدى صوتك في أذني أشعر بلمسة يديك على رأسي تربت على كتفي .. نبضات قلبك تدق في قلبي فأنت الميت الحي ? الغائب الحاضر ? البعيد القريب ? تضيء الدروب وتنور الحياة وتملؤها حبا وعطفا وحنانا .
آه لو كنت بيننا :
لرأيت حفاوتنا ببعضنا وتماسكنا فيما كنت تأمله وترجوه منا .
لرأيت حصاد زرعك في تماسكنا وعرى أخوتنا نترجم كل ذلك واقعا عمليا وسلوكا حيا .
لرأيت حقائق الواقع المنجز على صعيد الترابط والتماسك والحب والوفاء .
لرأيت ما يفرحك ويسعدك ويجعلك قرير العين وقد تبددت مخاوفك من انهيار صلابتنا .
لرأيت انتصارنا لمشروعك الأخوي وربحنا لسباقك الميداني .
لرأيت الوفاء لعهدك وخطك ومنهجك ومدرستك .
في ذكرى رحيلك :
أرفع يدي متوجها إلى العلي القدير قائلا : –
اللهم ارحمه كما رباني صغيرا فإن لم ترحمه أنت يا الله فمن سيرحمه ? وإن لم تغفر له أنت يا رباه فمن سيغفر له ? إنه اليوم في ضيافتك وليس أحد أرحم منك .
عاش أبي رحماتك تتغشاه طيلة عمره لا يعرف ربا غيرك .. لا يعرف عظيما غيرك .. لا يعرف رحمانا غيرك .. لا يدين بالربوبية إلا لك .
عاش عمره تحت ظلال نورك فعلمنا حبك وعبادتك وخوفك .. بث في قلوبنا روح الإيمان بك علمنا انه لا منجى ولا ملجأ منك إلا إليك .
يا رب : أتوسل إليك باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت وإذا استرحمت به رحمت وإذا استعطفت به ع