الاختلاف رحمة
الاختلاف رحمة . وهناك كلمة معاصرة لا تقل أهمية وهي “نحن لا نختلف إلا لنتشابه” وهما كلمتان تترددان كثيرا?ٍ على ألسنة وأقلام كثير من العقلاء ودعاة حرية الرأي والرأي الآخر? وما أحوجنا في هذا البلد الحزين المكلوم إلى أن نرددهما بل وإلى أن نعتنقهما ونحاول أن نقنع أنفسنا بأن اختلافنا أو خلافنا لم يكن ليدوم إلى ما لا نهاية? وأن له حدا?ٍ يقف عنده? وأن الانفعالات الغاضبة لن تؤدي إلا? إلى ما هو أسوأ من السيء الحاصل الآن. ولن تتوقف الأفواه ولا الأقلام عن قرع الآذان الصم حتى يدرك أصحابها بقلوبهم وعقولهم أن الوطن لم يعد يحتمل المزيد مما يحدث له? ولا المزيد من العداء والكراهية بين مكوناته السياسية خاصة وبين أبناء الشعب عموما?ٍ. وعلى الذين بلغوا سن الرشد السياسي أن يتذكروا أن الوطن أمانة في أعناقهم? يفكروا في الأطفال وفي تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات? المحرومين من المعرفة يتذكروا كذلك أن الدماء التي تراق هي دماء بشرية لا دماء حيوانات? وأن لأصحاب هذه الدماء أهل وأبناء وأصدقاء.
ولا مناص من القول لكل الفاعلين من أبناء اليمن في الداخل والخارج أن يرهفوا السمع إلى هتاف الحناجر وإلى أصوات القتلى وأنين الجرحى? وهي تقول لهم بوضوح العبارة: لا يغرن?كم منطق القوة ولا تستسلموا للهياج العاطفي? وتذكروا أن الضحية التي تتعرض للسلخ وباتت تأكل نفسها هي الشعب بكل مكوناته وطوائفه? وأن استمرار القتال لن يؤدي إلا? إلى مزيد من التآكل والإمعان في نشر الكراهية? وسيأتي من بينكم اليوم أو غدا?ٍ من يقول إن الحرب كانت خطأ جسيما?ٍ بكل المقاييس? وأن فئة واحدة لن تتغلب على بقية الفئات? كما أن الوطن الذي اتسع في الماضي للجميع ما يزال يتسع لهم اليوم وغدا?ٍ? ومن لم يتمكن من الوصول إلى هذا اليقين فإن حساباته خاسرة ولا مكان له في عالم اليوم? عالم التصالح بعد الخلاف? وعالم نسيان الخلافات? وكلكم يتذكرون ولا شك الحرب العالمية الثانية التي دمرت أوروبا وقتلت من أبنائها أربعين مليونا?ٍ –حسب الإحصائيات الدقيقة- وكيف صافحت باريس برلين بمحبة وثقة وشعور عميق من الألم تجاه ما حدث مع أمل كبير بأن ذلك لن يتكرر أبدا?ٍ.
نحن لا نختلف إلا? لنتفق? هكذا هو منطق العقلاء ? ولا خلاف في واقع الحياة مهما بلغ تصاعده إلا? وينتهي باتفاق ? هذا ما تقوله وقائع التاريخ الحديث في اليمن. تحارب الجمهوريون والملكيون ثم اتفقوا على أن خيار الجمهورية خيار نهائي وكأن الخلاف الشديد الذي شهده العالم بأسره لم يكن سوى فصل عابر من فصول التاريخ التي يطويها العقلاء للحفاظ على الأرواح وتجسيد روح الاستقرار . وتحارب اليمنيون شمالا?ٍ وجنوبا?ٍ ووصلوا بعد حروب مكلفة إلى الاتفاق? ولا يمكن النظر إلى ما يحدث في غياب هذه الحقائق الواقعية التي شهدناها جميعا?ٍ ولم تأتنا أخبارها عن طريق المؤرخين وكت?اب المذكرات? لقد عشنا فترات بائسة وعاصفة من الخلافات داخل الأنظمة وخارجها وشهدنا انقسامات ما كان لها أن تحدث بين فرقاء النظام الواحد? بل والحزب الواحد? وسرعان ما التأمت الجراح? وتلك ليست طبيعة يمنية كما يقول البعض بل هي طبيعة إنسانية مرت بها شعوب كثيرة واستطاعت أن تفلت من قبضتها كما تفلت الشعرة من العجين.
والآن وبعد التجربة المريرة والحالة التي لا تطاق تأمل الغالبية من أبناء هذا الوطن بأن التخندق الراهن مهما بلغت قسوته وعنفه لابد أن يتوقف وأن تكون له نهاية عاجلة? وأن يدرك المتخندقون أن القوة وحدها لن تحسم الموقف? وأن التفاهم الصادق المخلص على قاعدة مصلحة الشعب كله? والوطن برمته? هو ما يتبقى من وسائل ومداخل للحل? وإبعاد القوى التي تسعى إلى أن تصطاد في الماء العكر لاسيما بعدما وصلت عكارته إلى درجة هي الأقصى في كل ما عرفته البشرية من مياه تعك?ر صفوها.
صحيفة الثوره