حول حرب اليمن
أحسب ودون مبالغة ? أن مخاطر كبرى تتشكل فى بيئة الإقليم ? وفوق إحداثياته المباشرة ? وأن هذه المخاطر المستجدة ? سوف تؤدى الى خلق انماط من التغذية المتبادلة بين ظواهر الإرهاب وأدواته وقواه ? وبالتالى الى مدها بعناصر إضافية للقوة ? وفرص أكبر للتمدد ? وتهديدات أوسع وأعمق وأسلحة أبعد مدى وتأثيرا?ٍ ? تدفع المنطقة دفعا?ٍ نحو حريق كبير .
وأحسب أن عوامل نشوب هذا الحريق الكبير ? الذى يمكن أن يأكل الأخضر واليابس ? كامنة فى ذلك السعى المنهجي المنظ?م لإعادة الاصطفاف إقليميا ?على نحو سياسى وعسكرى وثقافى و اعلامي ? وفق معيار مذهبي طائفي ? بما يقتضيه ذلك من جمع وقود هذا الحريق الكبير ? اعتمادا على بناء جبهة ميدانية ? تضم أكثر القوى تطرفا?ٍ فى الفكر ? وإيمانا?ٍ بالقتل والعنف وإشاعة للاحتراب والفتنة ? ومعاداة للمصالح الوطنية والقومية ? وإذا صح? ذلك وأعتقد أنه اقرب الى الص?حة ? فإنه يشكل انحرافا?ٍ كبيرا?ٍ على الم?ْرك?ب الحضارى التاريخى للأمة ? وهو انحراف مناهض لروحها الحي?ة ? وتراثها وثقافتها ? غايته نبذ الروح القومية وذمها وتحقيرها ? واستبدالها بروح طائفية مريضة وممرضة ? وهو فوق ذلك ? انحراف مناهض لكل ما يدخل فى صلب الأمن القومى العربى من قواعد وقيم ومفردات .
( 2 )
لقد استبق السيد ( خالد بحاح ) نائب ( هادى ) حضوره الأخير الى القاهرة قبيل عملية ( السهم الذهبى ) بإطلاق تصريح م?ْلغ?م ? بدا بدوره سهما محد?د الاتجاه ولكن فى اتجاه مصر ? قائلا?ٍ : ” نحن فى حرب اقليمية تتطلب تدخلا?ٍ عربيا?ٍ حاسما?ٍ وعاجلا?ٍ فى اليمن” ? غير أن السهم ارتد الى الناحية الأخرى عندما سمع من الرئيس عبد الفتاح السيسى رؤية مصر التى تعض? بالنواجذ على الثوابت الوطنية والقومية ? فقد قال الرئيس محذرا?ٍ : ” إن عدم التوصل الى حل سياسى فى اليمن إنما يصب? لصالح جماعات التطرف والإرهاب المتواجدة فوق الأراضى اليمنية قبل أن يضيف الكثير عن ضرورة إعلاء المصلحة الوطنية اليمنية ?و عن الحفاظ على وحدة اليمن وسلامته أراضيه ? وعن ضرورة الحوار السياسى ? والمرجعيات التى ينبغى أن تحكمه بدءا من مخرجات الحوار الوطنى وانتهاء باتفاق السلم والشراكة .
ومن الواضح أن السيد ( بحاح ) كان يتمنى أن يجد فى القاهرة موقفا?ٍ آخر ? فى إطار النظرية الم?ْلغ?مة ذاتها ? التى جرى ويجرى تسويقها عن إعادة الاصطفاف تحت عنوان ( الحرب الاقليمية ) ? غير أن الموقف المصرى البالغ الوضوح ? لم يعد?ِم بعد ذلك من يحاول أن يحوله الى بركة آسنة ? يصطاد منها أسماكا?ٍ فاسدة ? على غرار ما نقلته وكالة ( فارس ) عن أحد قيادات أنصار الله فى محافظة ( أبين ) ? من أن الجيش اليمنى واللجان الشعبية ? قد قتلوا وأسروا أربعين جنديا?ٍ مصريا?ٍ ? حاولوا الدخول الى الاراضى اليمنية بواسطة أربعة زوارق ? حيث جاء رد الفعل فى مصر غاضبا?ٍ على هذا البهتان ? فرغم مسارعة المتحدث العسكرى لنفى الخبر جملة وتفصيلا فى بيان رسمى ? فقد توقف الرئيس بنفسه أمامه عند حضوره فى الكلية الحربية .
لماذا أقول أن ما بثته وكالة الانباء الايرانية ? كان مجرد اصطياد كاذب وفاسد ? لأن الخبر بكلماته وحروفه لم يكن منقولا?ٍ عن من ن?ْسب اليه ? وإنما كان منقولا?ٍ عن وكالة أنباء يمنية خاصة ? وقد بثته فى بداية الشهر الرابع من هذا العام ? مد?عية أنه منقول عن الصفحة الشخصية لمن ن?ْسب الخبر اليه ? آى أنه تم إحياء خبر مشكوك فى مصدره تم دفنه ميتا?ٍ قبل ثلاثة أشهر ? بعد التأكد من أنه عار تماما?ٍ عن الصحة ? وفى ظروف بالغة الشدة والتعقيد ? وفى مناخ قابل للاشتعال .
( 3 )
غير أن الحقيقة تقتضى القول ? أننا لا ينبغى أن نلقى اللوم على الآخرين وحدهم ? ممن يحاولون أن يضعوا الموقف المصرى فى سياق مناقض للحقيقة ? وإنما ينبغى أن نلقى اللوم أولا على اعلامنا ? ليس فقط ? تلك الصحف والقنوات التلفزيونية الخاصة ? التى بدت خلال مشاهد الحرب فى اليمن ? مجرد ظل باهت لقناتى? الجزيرة والعربية ? وإنما صحف وقنوات الدولة نفسها ? التى لم تحافظ على مصداقيتها ? فلم تتحر الصدق ? ولم تسم? الأشياء بأسمائها ? فالشاهد – مثلا – أن العنوان الرئيسى الثانى فى جريدة الأهرام التى ينظر اليها على أنها ناطقة باسم الدولة كان نصه : ( المقاومة الشعبية تطهر عدن من جيوب الحوثيين ) ? وهو نفس ما كرره التلفزيون المصرى ببغاوية رتيبة ? وبغض النظر عن كلمتى ( التطهير و جيوب ) ? وكلتاهما تشى بموقف سياسى خاص فى خبر ينبغى أن يكون بطبيعته شفافا?ٍ ومحايدا?ٍ ? وبغض النظر أيضا ? عن أن ” التطهير ” لم يتحقق ? وأن ” الخصوم ” لم يدحروا ? فإن ما تم وصفه بـ ( المقاومة الشعبية ) ? لم يكن فى مجمله غير حشود مسلحة على جانب ترفع علم القاعدة ? وأخرى على جانب تنتسب لـ ( داعش ) ? ومجموعات على جانب ثالث على رأسها عناصر من الاخوان المسلمين فى اليمن ? ومرتزقة ذو جنسيات متعددة ? ومجموعات محدودة العدد على جانب آخر تتشكل من سلفيين جنوبيين ? ومجموعات أخيرة تقدر بال