ثورة الجياع .. على الطريقة الصينية
إن المتتبع للأزمة اليمنية? وما آلت إليه الأوضاع بشتى النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها? لا يمكن بأي حال من الأحوال إلا أن يظهر حال التوجس والخوف من هذا المائل الخطير الذي ينذر إذا قدر الله إلى كارثة إنسانية وفقر ومجاعة .. وأقول مجاعة وفقا?ٍ لما يبديه الكثير من الناس والسياسيين والمحللين? وهذا يعني أن المجاعة لن تخلف لنا جميعا?ٍ السعادة وإنما تخلف الثورات وتدفع بالجياع للقيام بها? كما يشير المؤرخون والساسة بأن المجاعات تقوم على إثرها أو تؤسس لدولة تمتاز بالحد الأدنى من المساواة والحقوق والعدالة والنظام والقانون.
والحديث عن ثورة الجياع كما كان يهدد بها السياسيين جميعا?ٍ عندما تشتد الأمور وتتعقد الأزمات بين الفرقاء السياسيين ? أو تظهر بوادر أزمة سياسية جديدة? دائما?ٍ ما نستمع لمثل هذه التصريحات أو التخوفات ويستخدمها البعض أيضا?ٍ لتخويف الشارع اليمني وخصومهم? واستخدام هذا التهديد من قبل السياسيين, اعتبره أمرا?ٍ واقعا?ٍ لأن ثورة الجياع لا ترحم ولا أحد يستطيع أن يتوقع لها حدود أو نهاية? فمثل هذه الثورات لا تتوقف عند حدود فهي تجتث بل تأكل الأخضر واليابس? كما يقال? ولنا مثل لمثل هذه الثورات .
كنت ذات يوم أقرأ كتاب لعالم المعرفة تحت عنوان “الفيل والتنين” صعود الهند والصين ودلالة ذلك لنا جميعا?ٍ _ وهو بحث علمي من تأليف الباحثة الأمريكية “روبين ميريديث” .. وفي هذا الكتاب لفت نظري شيء مهم وهو إعلان الرئيس الصيني “ماو” في عام 1949م قيام جمهورية الصين الشعبية “الجمهوريات الاشتراكية الماركسية” وبدأ هذا الرئيس على تأسيس المزارع الجماعية والاعتماد على الزراعة بشكل أساسي? ويجمع هذا المحصول لصالح الدولة مقابل أجر عمالي للقائمين على هذه المزارع.
وفي عام 1958م بلغ العجز في الإنتاج الزراعي أسوأ حالاته كما تقول الباحثة الأمريكية روبين بعد مضي ثلاث سنوات من هذا التوجه ? وأكل الصينيون في هذا العام نتيجة للمجاعة, الضفادع وأوراق الشجر والعشب ومات جوعا?ٍ الأطفال والأسر حتى أن الأحياء كما تؤكد الباحثة عجزوا عن دفن الأموات أو مواراتهم الثرى.
هذه السياسة كما جاء في كتاب عالم المعرفة خلفت مجاعة عمت أرجاء البلاد ? حيث مات ما يقارب من 30ـ 40 مليون نسمة لأن الدولة كانت تأخذ محصولهم وتصدره إلى الخارج بالرغم من أن مخازن الدولة مملوءة بالمحصول? ومع ذلك الشعب يموت من الجوع فنظامها أي الصين اشتراكي وكل المشروعات هي من أملاك أو مملوكة للدولة .
إلا أن الصين بعد هذه الكارثة شهدت تحولات منذ عام 1968م وأصبح في مصاف الدول الأكثر تطورا?ٍ? وكثفت جهودها بعد تلك الثورة التي قامت ضد الرئيس الصيني ماو في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي ? وبدأت الصين تعتمد نظام الاقتصاد المفتوح وعند ذلك تدفقت الاستثمارات الأجنبية والمحلية وهاهي اليوم وكما تعرفون تعد ثاني أكبر اقتصاديات العالم.
ومما ذكرته المؤلفة أو الباحثة أن الصين وقبل سنوات بسيطة وصلت المشاريع الصغيرة إلى 22 مليونا لأعمال مشروعات صغيرة وأنها قامت ببناء 40 مطارا?ٍ جديدا?ٍ عام 2010م فقط بمبلغ 17 بليون دولار. وأشارت أيضا?ٍ في مقارناتها الرقمية إلى أن مدينة شنغهاي لا يوجد بها سوى 15 عمارة ناطحة سحاب في العام 1978م وبحلول عام 2006م أصبح في هذه المدينة 3780 ناطحة سحاب أي أنها بذلك تتجاوز ناطحات شيكاغو ولوس أنجلوس الأمريكيتين مجتمعتين .. أنا بصراحة نقلت الأرقام كما قرأتها في عالم المعرفة وإذا كنت قد هفوت فالعفو والمسامحة من أصدقائنا الصينيين كونهم أهل الرياضيات والحاسوب? أما أنا فضعيف الحساب والإدارة كما هو حال بلادي? وأرجو من اليمنيين عدم الاكتراث لهذه الأرقام والبحث في تفاصيلها, لأن الغوص في مثل هذه الأمور لا يجلب إلا الهم والحسرة.
خلاصة القول: هل بلادنا تتجه مع كل هذه التعقيدات السياسية إلى المجاعة وقيام ثورة جديدة اسمها ثورة الجياع وعلى الطريقة الصينية التي ذكرناها في تجويع الناس وتغذية الصراع وإذكاء الأزمات التي تتبع هذه الثورات.
أم أن السياسيين يدركون مدى الأزمة الراهنة وخطورة الانحدار نحو الهاوية والوصول إلى الثورة التي لن تبقي على أحد منهم..