الخ?ْب?ِر .. من النخل إلى البلح (قصة حرفة يمنية)
الحاجة أم “الإبداع”… ولكن ليس كل إبداع?ُ إبداعا?ٍ? وليس بمقدور كل الحاجات أن تحولنا إلى مبدعين? فالهواية هي أولى درجات سلم الصعود إلى القمة? والعزيمة والإصرار صنوان?َ لصناعة إرادة?ُ قوية?ُ خصوصا?ٍ حينما تكون الغاية التي نريد الوصول إليها محفوفة?ٍ بالمشاق? إلا إنه لا طريق وعر, ولا معوقات بمقدورها أن تعيق الرجل اليمني القديم? لي?ْو?ِر??ث ذلك لأولاده وأحفاده? متغلبا?ٍ حينها على كل الصعاب? صانعا?ٍ بيده التاريخ والحضارة? وما أن فرغ من صنع كل?ُ منهما? إلا ومد يده إلى شجرة النخيل الشامخة واقتص من س?ِع?ِفها? صانعا?ٍ حاجاته المنزلية وغيرها? لينام عقبها قرير العين.
تنتج حرفة صناعة الس?ِع?ِف الكثير من المنتوجات? التي تعتمد في صناعتها على الأيادي دون تدخل أية آلة?ُ مرافقة?ُ أو حتى مساعدة? كما تعتمد على التركيز والد??قة لما تحتاجه من إتقان. وكل هذه المواصفات كانت وأصبحت متوفرة لدى الإنسان اليمني.
ومن أشهر منتوجاتها – والتي لا تزال ت?ْت?ِداول حتى اليوم وإن كان بشكل?ُ ضئيل?ُ – الس??ْف?رة أو الم?ه?ج?ِانة (الس??ِلة)? الج?ِفير?الزن?بيل? الجلف?الق?ْف?ِة? الم?ه?فة? الشنطة والق?ِب?ِعة بمختلف الألوان والأحجام. وهذه المنتجات منتشرة?َ في معظم القرى اليمنية ويختص بإنتاجها النساء? حيث يعمل العديد منهن في مشروع الأسر المنتجة أو مراكز الحرفيين. وكذلك من منتوجات النخيل السباك? الس?ْرود والس?ِب?ِت? ويستخدم في صناعتها الخوص وعذوق النخيل المنتشرة في قرى ح?ِض?رموت. أما القراقير بمختلف أنواعها كالكيسة والميس والص?ِي?رم والس?لة فيستخدم في صناعتها ع?ْذوق النخيل فقط? ولها أنواع متعددة.
صناعة الخ?ْب?ِر:
ولعل هذه الصناعة قديمة?َ أيضا?ٍ? إذ أن موادها ومواردها من نفس المناطق التي اشتهرت بها? كوادي ح?ِض?رموت ووادي تهامة. إلا أنه يمكن القول أن أنواعا?ٍ كثيرة?ٍ من الخوص الذي يستخدمه أهل هذه الحرفة يسمى الم?ِسح وهو أجود هذه الأنواع? وكذا الب?ِط?بوطي والح?ِر?ِض?ِة أو الخ?ِض?ِرة كما يسميه البعض? ويتم جلب هذه الأنواع من الخ?ْوص من مناطق البادية في محافظتي ح?ِض?رموت والم?ِه?ر?ِة.
وتعتبر منطقة م?ِدودة هي الرائدة في مجال الصناعات الخ?ْوصية? فقد اشتهرت منذ القدم بهذه الحرفة على وجه الخصوص? ومازالت تحتفظ بها إلى يومنا هذا إضافة?ٍ إلى بعض المناطق الأخرى في وادي تهامة.. ونحن في هذا العدد سنختار إحدى المنتوجات التي يستخدم س?ِع?ِف النخيل في صناعتها … وهي (الخ?ْب?ِر).
ج?ِن?ِاحان مت?ْج?ِافيان:
الخ?ْب?ِر … جمع خ?ْب?ر?ِة وهي لفظة مستعملة عند حرفيي ح?ِض?رموت? وهي عبارة?َ عن زن?بيل?ُ مصنوع?ُ من الس?ِع?ِف يستخدم لحفظ التمور في النخيل قبل قطعه. وتسمى عملية وضع التمر إذا بدت عليه علامات النضج في الخ?ْب?ر?ِة بعملية الق?ِن?ِامة. وتتميز الخ?ْب?ر?ِة بشكلها الجميل الذي يشبه إلى حد?ُ كبير? شكل الخ?ْف أو قارب الصيد فهي تتكون من جناحين متجافيين, طرفها الأول مفتوح وطرفها الآخر بيضاوي الشكل? وتقس?ِ?م الخ?ْب?ِر حسب حجمها إلى خمسة أنواع رئيسية?ُ … الع?ْقدة وهو أكبرها حجما?ٍ? يأتي بعده كبير الح?ْوطة? فكبير سيئون? ثم الر??ْبع الشافي وأخيرا?ٍ الربع الصغير. وتعد صناعة الخ?ْب?ِر من الصناعات الخ?ْوصية التي تحتاج إلى خبرة?ُ في إعدادها? فهناك خطوات?َ عملية?َ خاصة?َ تحتاج إلى فن?ُ وإتقان.
مراحل صناعة الخ?ْب?ِر:
تمر عملية صناعة الخ?ْبرة بعدة مراحل? وتبدأ – من بعد شراء الس?ِع?ِف من سوق الس?ِع?ِف الخاص – بتقسيم (الم?ِش?ِك?) إلى جزئين يسمى كل جزء (س?رف) يوضع في زير الماء حتى يصبح لينا? وعادة?ٍ ما يوضع هذا السرف عند غروب الشمس كي يبقى طيلة الليل مغمورا?ٍ بالماء إلى وقت المغرب من اليوم التالي? بعدها ينقل من الزير إلى الم?ِخ?م?ِرة وهو مكان يوضع فيه الس?ِع?ِف المبلول بالماء كي يجف ويذهب عنه ما علق به من ماء? بينما يقبل الحرفيون صباح اليوم الثالث إلى الس?ِع?ِف الذي أصبح جاهزا?ٍ ونظيفا?ٍ لتبدأ مباشرة العمل فيه.
لو أردت زيارة إحدى البيوت التي تحترف صناعة الس?ِع?ِف بمنطقة م?ِدود?ِة? فلابد لك أن تستيقظ مبكرا?ٍ. إذ أن العمل يبدأ عادة قبل السادسة صباحا?ٍ بأخذ الس?ِع?ِف من الم?ِخ?م?ِرة وتشريقه أولا?ٍ حيث يمسك كل فرد من أفراد فريق العمل س?ِع?ِفة?ٍ واحدة?ٍ ليفلقها إلى جزئين مكونين من خمس خوصات?ُ إلى اليمين ومثلها إلى اليسار? بعد ذلك تبدأ عملية رص الس?ِع?ِف بشكل فني منتظم عن طريق رص الح?ِناظل? والح?ِن?ظلة هي العود الذي ينتهي إليه الخ?ْوص في الس?ِع?ِفة. ثم يبدأ بناء الجناح الأول وهو نصف الخ?ْب?رة? وبعد عصب نهايته والانتهاء منه يتم الانتقال إلى الجناح الآخر وهكذا. ويمكن للفرد الواحد أن ينتج في فترة العمل الممتدة من السادسة صباحا?ٍ وحتى العاشرة أو الثانية عشر ظهرا?ٍ ما لا يقل عن 5 الى 7 خ?ْب?رات. ويتكون فريق العمل عادة?ٍ من أفراد الأسرة ذكورا?ٍ وإناثا?ٍ, كبارا?ٍ أو صغارا?ٍ.
أما الس?ْف