عالمية حقوق الإنسان والخصوصية العربية الإسلامية
في عام 1945? وأثناء انعقاد مؤتمر سان فرانسيسكو الذي أ?ْق??ر فيه ميثاق منظمة الأمم المتحدة? تم اقتراح “إعلان الحقوق الأساسية للإنسان”? لكن لم يتم بحث هذا الإعلان بسبب حاجته إلى إعادة نظر تفصيلية? أكثر مما كانت متاحة في ذلك الوقت.
لذلك أوصت اللجنة التحضيرية للأمم المتحدة? التي اجتمعت بعد انتهاء جلسات مؤتمر سان فرانسيسكو?بأن ينشئ المجلس الاقتصادي والاجتماعي? في أول دورة له? لجنة لتعزيز حقوق الإنسان. ولقد قام المجلس بإنشاء هذه اللجنة “لجنة حقوق الإنسان” في سنة 1946 تطبيقا للمادة 68 من الميثاق التي تنص على أنه على “المجلس أن ينشئ لجانا من أجل تعزيز حقوق الإنسان”.[1]
ولقد دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الأولى التي عقدتها في كانون الثاني/ يناير 1946? هذه اللجنة? إلى العمل من أجل إعداد ” شرعة دولية للحقوق”? وحينما بدأت لجنة حقوق الإنسان أعمالها في شباط/فبراير 1947? كان هذا البند على رأس أولوياتها.
ولكن سرعان ما انقسم أعضاء اللجنة في الرأي حول ما إذا كان ينبغي للشرعة أن تأخذ شكل إعلان أو معاهدة? كحل توفيقي? قرروا أن تتألف الشرعة من ثلاثة أجزاء هي:[2]
ـ إعلان يشهر المبادئ العامة? والمتمثل في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان?
ـ عهدان يجسدان هذه المبادئ في شكل? يكون ملزما للدول التي تصدق عليهما و”تدابير للتنفيذ” أو أحكام لاستعراض طريقة تنفيذ الدول لالتزاماتها وهما: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وبروتوكوليه الاختياريين الملحقين? والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية.
ولقد شكل الاعلان العالمي لحقوق الانسان وما يزال? المرجع الاشتراعي الدولي لعدد كبير من الوثائق الدولية التي تعتبر من أبرز مصادر القانون الدولي للحقوق الإنسانية منها: اتفاقيات جنيف الأربعة للعام 1949 وبروتوكولاتها الملحقة? اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز العنصري واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللانسانية أو المهينة واتفاقيات حقوق المرأة[3]? واتفاقية حقوق الطفل … إلى ما هنالك من وثائق دولية متنوعة أخرى.[4]
نريد من خلال هذا البحث إلقاء الضوء على مبدأ أساسي جدا لتحقيق الحماية الدولية لحقوق الإنسان وهو مبدأ “عالمية حقوق الإنسان”? فالقانون الدولي المعاصر يسلم منذ البداية بعالمية حقوق الإنسان? وعلى هذا الأساس كانت أول وثيقة دولية ت?ْعنى بحقوق الإنسان? كما رأينا? تحت اسم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ولكن بالمقابل تطالب بعض الدول ولاسيما العربية والاسلامية? بخصوصيتها الثقافية والدينية. فما المقصود بعالمية حقوق الإنسان? وما مدى استطاعة هذه الدول الاحتجاج بخصوصياتها لعدم الامتثال لبعض مبادئ حقوق الإنسان?
المبحث الأول: مفهوم عالمية حقوق الإنسان
عالمية حقوق الإنسان هو مبدأ مهم جدا يوجه طريقة النظر إلى حقوق الإنسان والحريات الأساسية? ولقد تنوعت التعاريف التي أعطيت لهذا المبدأ? كما تضاربت الآراء حول تحقق عالمية حقوق الإنسان أو لازالت تسعى إلى العالمية? وسنتوسع في هاتين النقطتين كما يلي:
المطلب الأول: تعريف عالمية حقوق الإنسان
المقصود بعالمية حقوق الإنسان عند بعض الفقهاء[5]? أن كل الحقوق الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومختلف وثائق القانون الدولي لحقوق الإنسان? تتجاوز وتفوق الحدود السياسية? الجغرافية? اللغوية وحتى الدينية والثقافية? فيصبح المجتمع الدولي ساحة لتطبيق تلك الحقوق.
وترجع تسمية أول وثيقة دولية ت?ْعنى بحقوق الإنسان بـ ” الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”? إلى الفكرة التي مفادها أن الإنسان هو نفسه حيثما كان وحيثما وجد? فبالتالي يجب أن يتمتع بالحقوق نفسها والحريات.
وفي هذا المعنى تنص المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
” يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق? وقد وهبوا عقلا وضميرا وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء.”
وحسب René Cassin أحد واضعي هذا الإعلان ” فإن الحقوق المضمونة فيه هي عالمية من حيث الوحي? الامتداد? المحتوى? مجال التطبيق? القوة… فهي تهتم مباشرة بحقوق الكائن البشري مهما كان المجتمع الذي يعيش فيه.”[6]
ويقول Jean Rivera: ” في عمق مفهوم حقوق الإنسان? هناك حدس بعدم إمكانية الانتقاص من الكائن البشري في أي بيئة اجتماعية كان.”[7]
فالعالمية تحث على أنه في أي مكان وجدنا يجب النظر إلى الإنسان كإنسان? وعلى هذا الأساس يقول Frédéric Sudre:” إن الإعلان الفرنسي لسنة 1789 ليس إعلانا موجها للمواطنين الفرنسيين فقط? وإنما لكل “إنسان” مهما كانت جنسيته? أوالرقعة الجغرافية التي يعيش فيها…” [8] .
وفي هذا السياق كذلك? تنص الفقرة 6 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات: ” إن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية? وإذ تضع نصب عينيها مبادئ القانون الدولي التي يتضمنها ميثاق الأمم المتحدة? مثل .. ايلاء الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان وللحريات الأساسية