الحوثيون يكتسحون صنعاء .. ويتعففون عن السلطة!
غريب أمر الحوثيين. العاصمة اليمنية صنعاء تخضع لسيطرتهم تتويجا?ٍ لحراك منظم انطلق من مختلف المناطق والجبال إليها? وكان أشبه بموجة عاتية تقدمت نحو المدينة بهدوء في الأسابيع الماضية? ثم اجتاحتها. تباعا?ٍ كانت الأحياء كأنها تسلم نفسها إليهم. القتال الذي دار في ضواحي المدينة? لم يكن يعكس مقاومة بالمعنى الدقيق للكلمة. وكأنما العاصمة فضلت الاستسلام للمد الشعبي الغاضب? بأكثر ما هو ممكن من رضى? ثم جلس الحوثيون فورا?ٍ إلى طاولة التسوية والشراكة? بينما كانت كل مقومات «الانقلاب» الناجح? بين أيديهم!
ولم تكن المعركة سهلة. سقط مئات الضحايا في الاشتباكات المتفرقة التي دارت في الضواحي? ثم نحو قلب المدينة? والتي تركت الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي? شبه محاصر في مقره? بينما كانت مواقع الجيش تسقط أو تستسلم تباعا?ٍ.
وقد تواردت أنباء عن فرار الرجل الثاني في النظام علي محسن الأحمر? المستشار العسكري للرئاسة حاليا?ٍ? إلى قطر? ما شكل ضربة حوثية جديدة لقبيلة آل الأحمر? اللاعب القوي في تاريخ اليمن الحديث? وللرجل نفسه الذي سبق له أن خاض حروب النظام على الحوثيين في صعدة? وعرف بعلاقاته الوثيقة مع التيار الإسلامي المتشدد في اليمن? واتهم بـ«خيانة» رفيقه وحليفه? الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح قبل عامين.
توافرت ظروف كثيرة تتيح لجماعة «أنصار الله» تحقيق هذا الإنجاز السياسي ـ العسكري بكل هذه الثقة. خطأ رفع أسعار الوقود الذي ارتكبته السلطة في بلد يرزح أكثر من 50 في المئة من سكانه تحت خط الفقر? شكل ورقة مهمة استخدمها الحوثيون ببراعة للتحرك تحت غطاء شعبي جارف. أخطأ الرئيس عبد ربه منصور? بتجاهل مطالب الحراك الشعبي بالتراجع عن قرار رفع الأسعار. انقض??ِ الحوثيون? من نافذة لقمة العيش? على الحكم المتداعي تحت جبال من الفقر والفساد والانقسام السياسي والاجتماعي والقبلي? على بوابات السلطة كلها: مقر رئاسة الحكومة? مقر وزارة الدفاع? مبنى التلفزيون? ثكنات الجيش ومطار العاصمة.
لكن المفاجأة التي لا تقل إثارة لم تكن في التداعي السريع للعاصمة أمام المد الحوثي? المدعوم بتأييد شعبي قوي? وإنما في تعفف الحوثيين عن الاستيلاء على السلطة نفسها? في اللحظة ذاتها التي كانت أبواب قصر الحكم مفتوحة أمام قوتهم? الشعبية والعسكرية? بقبولهم السريع بالتوقيع على اتفاق التسوية والشراكة الوطنية الذي أبرمه المبعوث الأممي جمال بن عمر? مبددين بذلك الكثير من الاتهامات «المذهبية» و«القبلية» و«الإقليمية» التي سيقت ضدهم ـ وما زالت – خلال الأسابيع الماضية? بالسعي للاستيلاء على السلطة بالانقلاب بقوة السلاح. وهم? ككل القوى اليمنية والقبلية الأخرى? يمتلكون منه الكثير في اليمن الذي لم يعد سعيدا?ٍ.
ومن بين الظروف التي توافرت لـ«انصار الله» لتحقيق تقدمهم المدوي? تراجع قوة ونفوذ «حزب التجمع اليمني للإصلاح»? المعروف بانتمائه إلى تيار «الإخوان المسلمين»? المغضوب عليه سعوديا?ٍ حاليا?ٍ? والذي يعتبر تقليديا?ٍ? خصوصا?ٍ في السنوات الأخيرة? من بين القوى الأكثر تأثيرا?ٍ على الساحة اليمنية? نظرا?ٍ لامتداده الشعبي وارتباطه بمصادر تمويل سعودية ووهابية. إلا أن المفارقة هي أن ما سمي بـ«المبادرة الخليجية» التي أتاحت تسليم علي عبد الله صالح السلطة قبل نحو عامين? سمحت لجماعة «الإخوان» ولغيرهم? المشاركة في حكم اليمن. ومما أظهرته الأحداث الأخيرة? وخصوصا?ٍ الحروب الست التي خاضتها الدولة اليمنية ضد الحوثيين? أن حزب «التجمع اليمني للإصلاح» يتخذ مواقف معادية للحوثيين من خلفيات مذهبية واضحة? إلى جانب الدفاع عن ارتباطات «الإصلاح» وقياداته? المشبوهة? بمنظومة الحكم الفاسدة في البلاد.
ولا يعني ذلك أن السعودية تنظر بعين الرضى إلى زلزال اليمن. وهي كما يردد إعلامها الرسمي ترى مؤامرة إيرانية على حدودها الجنوبية? وساحة مواجهة بين النفوذين السعودي والإيراني. وغالب الظن أن المملكة التي لزمت الصمت الكامل بالأمس بشأن ما يجري في صنعاء? يراودها الارتياب من قراءة معاني المد الحوثي? ثم التعفف عن السلطة. وقد سبق أن أشارت تقارير إلى أن من بين أسباب الخلاف السعودي مع الشقيقة المشاغبة قطر? الدعم الذي تقدمه الدوحة للحوثيين في حراكهم? وهو عموما?ٍ اتهام لم يتم إسناده بوضوح. وقد سبق? للمملكة وهي تدرج تنظيم «داعش» و«الإخوان المسلمين» وغيرهما على لائحة الإرهاب السعودية المعلنة في آذار الماضي? أن دست اسم الحوثيين بين تنظيمات الإرهاب. ثم ساندت المؤسسة الدينية الوهابية هذا التصنيف بوصف الحوثيين بالإرهاب. لكن الموقف السياسي الأكثر وضوحا?ٍ جاء من جانب وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الذي اتصل هاتفيا?ٍ بالرئيس اليمني قبل أسبوعين محرضا?ٍ ومتضامنا?ٍ حيث أبلغه أن المملكة قلقة من أساليب الحوثيين المتسمة بـ«العدوان»? مذكرا?ٍ بأن «أمن اليمن جزء لا يتجزأ من أمن المملكة ومجلس التعاون الخليجي».
لكن متحدثا?ٍ إعلاميا?ٍ باسم أنصار الله» قال للـ«السفير