الجرعة وثورة الويل!
الغذاء والأمن لا تستقيم بدونهما الحياة? ولهذا امتن الله على قريش بان اطعمهم من جوع وامنهم من خوف ? كما اشار الرسول الكريم الى النعمة التي يصيبها من بات أمنا في سربة يملك قوت يومه… لكننا اليوم نحشد الرماح? ونهدد بالويل? ونتوعد بالثبور? ونتفنن في تخويف الناس وبث الرعب في نفوسهم ..? بهدف اقناعهم أننا نريد اشباعهم ورفع الغلاء عن كواهلهم.!!
لا شك ان الجرعة أوجعت الشعب والمطالبة برفعها امر يهم كل مواطن يمني وليس الحوثيون فقط? لكن عندما ترى من يحارب الجوع بإقلاق السكينة? ويجعل من الجرعة شعارا مجاورا لشعار الموت لأمريكا واسرائيل? تشعر كما لو أنك وقعت في فخ الكاميرا الخفية? وتدرك مباشرة ان ثمة من يتاجر بقضاياك الانسانية? في سبيل الكسب الرخيص.
لو نعلم للحظة فقط ان ثورة (الجرعة) اصدق واطهر من ثورة (الدولة المدنية الحديثة) لما توانينا ابدا عن مشايعتها والتضحية في سبيلها بكل ما نملك? شخصيا – دون اي تحسس أو اعتبار مذهبي او طائفي أو مناطقي أو حزبي – أحاول جاهدا الاقتناع بما يقوله ويفعله انصار الله? لكن دون جدوى? انهم يستنسخون ذات الفوضى الهدامة التي جمعتهم بالإخوان المسلمين عام 2011? ويكررون كل تفاصيلها السيئة والمبتذلة بشكل كوميدي? يسخرون فيه من وعي المجتمع ويهزأون بذاكرته.
الحديث باسم الشعب ينتهك آدمية الاخرين ويلغي وجودهم? الاناشيد والشعارات الحماسية الملتهبة? نغمة الصدور العارية? توزيع الورود على الجنود? التباكي على المواطن والوطن? اقحام الاطفال والنساء في المسيرات? استغلال حاجة الناس? استثمار جهل الكثير منهم? الاسكتشات المعدة سلفا? التصعيد والتهديد? الى أخر الحركات الثورية التي ورثوها عن شركاء الامس? كل ذلك يتكرر بسذاجة بالغة.
قال لي احد شباب ساحات الامس مستنكرا ما يراه على قناة المسيرة: “هل كنا نبدو بهذه الحماقة والاستهبال? والله لقد اجرمنا بحق الوطن دون أن ندرك” لم يتخيلوا ابدا انهم كانوا يقفون حيث يقف الحوثي واتباعه اليوم? ولم يشعروا بفداحة ما حدث الا بعدما هدموا المعبد فوق الجميع? فأصبح الوطن في الحضيض? وذهبت احلامهم ادراج الخونة.
عبر مراحل التاريخ اليمني كانت حالات الانفلات الامني? والحروب? والانقلابات? وتمرد العصابات المسلحة? والطموحات السياسية المرتكزة على الصراعات? وعنف التيارات المتطرفة? السياسية منها والدينية?… سببا رئيسا في انهيار الاوضاع الاقتصادية? وتدهور الحياة المعيشية للسكان? على الرغم من ان معظم تلك الحالات كانت ترفع شعار العدالة والحياة الكريمة? وتحسين أوضاع المواطنين? ولم يشهد المجتمع اليمني أي تقدم يذكر في مستوى المعيشة والتنمية? الا خلال فترات سادها الامن والاستقرار والسلم الاجتماعي? فكان الامان اساس النماء? ولم يكن الرعب والترهيب في أي زمان ومكان وسيلة لرفاهية الانسان وصنع حياة أفضل.
المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين? وتكرار فوضى 2011 من جديد لن تنقذ البلاد من سلبياتها وويلاتها الاقتصادية? بقدر ما ستزيد من فرص انهيارها والقضاء على ما تبقى من امال المجتمع? ودفعه نحو الانتحار? ولو فاضلنا بين الجوع والخوف لفضل الناس الموت جوعا على أن تقتلهم النيران أو الخوف منها? وعندما قال الامام علي كرم الله وجهه ” لو كان الجوع رجلا لقتلته” لم يقصد على الاطلاق قتل الجائعين أو تخويف الآمنين منهم.