هزلية المشهد اليمني !
إن تداول مصطلح “الثورة المضادة” في الثورة اليمنية? التي لم تحقق فرزا?ٍ سياسيا?ٍ أو اجتماعيا?ٍ? بل حملت تناقضاتها العميقة كلافتة عريضة? يجعلنا نفتقر للنزاهة في تعميم هذا الح?ْكم. فالثورة اليمنية لم تكن نقية? أو بيضاء? قادتها القوى المدنية حاملة التغيير الرافضة كل أشكال الأنماط السلطوية التي أنتجها نظام علي عبد الله صالح? وإن بدأت كذلك? بل نشأت وتطورت كمغسلة هائلة لقاذورات القوى السياسية القديمة الجديدة. وفي رحم هذه الثورة? نمت قوى انتفاعية? أجهضت التغيير الجذري للنظام? بل ونجحت في إعادة إنتاج نظام هجين مشوه? وفق ما تمثله مصالح هذه القوى التي تريد فقط الاستفادة من التموضعات الجديدة للشارع السياسي والثوري اليمني. وهكذا? دخل القائد العسكري? علي محسن? أبرز أركان نظام صالح ثلاثة وثلاثين عاما?ٍ? الثورة من باب حمايتها? كما يروج المتابع السطحي لأحداث الثورة في اليمن. لكن? في العمق? كان المراد من انضمامه تقليم أظافر كل القوى المدنية اليسارية والقومية والليبرالية? وإزاحتها من المشهد السياسي اليمني.
وعليه? خرج الثوار? مرة أخرى? إلى الشوارع في 11 فبراير/شباط 2014? رافعين شعار “الثورة ضد الفساد”? مطالبين بإسقاط الحكومة التي أنتجتها المبادرة الخليجية? الحكومة التي? بحسب تقرير الأمم المتحدة? تعتبر عاجزة وغير قادرة على تسيير أمور البلاد? والحفاظ على الأمن? وتقديم الخدمات للمواطنين. خرج الشباب إلى الساحات? لأنهم أدركوا أنهم كانوا بيادق للفاسدين الذين امتطوا الثورة? منذ ثلاثة أعوام? ووصلوا إلى مفاصل الدولة. خرج هؤلاء? ليغيروا الواقع المختل? ولكن? هذه المرة? بدلا?ٍ من أن يحتفي بهم أصدقاء الأمس? وصفوهم في صحفهم ومواقعهم? وعلى لسان رئيس الوزراء? بأنهم معيقو التغيير? وتحولوا من صانعي الثورة إلى ثورة مضادة.
فالإخوان المسلمين في اليمن? ومن مشروعيتهم الثورية التي حصلوا عليها بإزاحة الآخرين? وتخوينهم? أو تكفيرهم? وتسويق خطابهم الإعلامي في ظل سيطرة شبه كاملة على الإعلام المحلي? ومراسلي قنوات ووكالات إخبارية? استطاعوا? ومن دون جهد كثير? وبقليل من عدم اللياقة? تصدير مشهد مختلف تماما?ٍ عما يعيشه المجتمع اليمني من حراك سياسي واجتماعي? رافض بقاء الحكومة? أو تقسيم اليمن إلى أقاليم? وتفتيتها اجتماعيا?ٍ وسياسيا?ٍ واقتصاديا?ٍ? لكن الأجندة السياسية الحالية للإخوان المسلمين تنطلق من مصلحية ضحلة? سواء في تأييدهم الجماهيري أقلمة اليمن? بما يحفظ مراكز نفوذهم في بعض المناطق? وتعزيز الجهوية والقبلية والمرجعيات الدينية? أو في إصرارهم على بقاء الحكومة? باعتبار أن أي تغيير فيها تغيير في موازين القوى? وهو? من وجهة نظر الجماعة? ما يضر بمصالحها السياسية والاقتصادية التي حصدتها على مدى عامين? غير آبهة بمعاناة اليمنيين جراء ذلك? ولا بكل تقارير الفساد التي نشرتها الصحف اليمنية? والقضايا المرفوعة في بعض المحاكم ضد الحكومة.
في البداية? حاول الإخوان المسلمين في اليمن (حزب الإصلاح) أن يكونوا متماسكين أمام الرأي العام? الرافض أداء الحكومة? والمتعب من فساد المرحلة الانتقالية? وحرصوا على أن لا يظهروا بمظهر المدافع الحصري عن الفشل الذريع للحكومة? باعتبار أن هذه الحكومة مشكلة? وفق المبادرة الخليجية? من أحزاب المعارضة والحزب الحاكم السابق? وأن مسؤولية الفشل تقوم على جميع الأحزاب من دون استنثاء? لكن هذه الذريعة سرعان ما سقطت أمام أداء الإخوان المسلمين في الوزارات السياسية التي تقع تحت قبضتهم? واختبر المواطن اليمني فشلها? في ظل انتشار الانفلات الأمني? واستمرار الاغتيالات السياسية والعمليات الانتحارية وانقطاع الكهرباء المستمر وتردي الخدمات وانتشار الفساد? وفي أخونة وزارات الدولة? واستبعاد الموظفين الذين لا ينتمون إلى حزب الإخوان المسلمين.
في خضم كل صراع سياسي يخوضه حزب الإصلاح? في أثناء الثورة أو بعدها? مع المختلفين معهم سياسيا?ٍ أو فكريا?ٍ? يلجأ “الإخوان” إلى أدواتهم التقليدية? وحيلهم القديمة في النيل من الخصوم. وهكذا? بدأت الجوامع? وخطباء المساجد الذين ينتمون لهذا الحزب? حالة استنفار ديني? لم يسبق له مثيل في الدفاع المستميت عن حكومة عمياء? لا ترى مواطنيها? وتخوين كل من يطالب بإسقاطها. ونتيجة كل ما ترتب على هذا الأداء من احتقان سياسي? شهدت الساحات اعتداءات جسدية كثيرة على المتظاهرين. وحين أدرك حزب الاصلاح أن هذه الوسائل أصبحت قديمة? وغير قادرة على إحداث أي تعاطف من المواطن العادي? لجأ? هذه المرة? إلى استخدام ورقته الرابحة? للقيام بهذه المهمة. وهكذا ظهرت علينا السيدة توكل كرمان (عضو شورى حزب الإصلاح? والحائزة على جائزة نوبل للسلام) في أكثر من مدينة? لتقوم بحملة?ُ تحشيدية?ُ ضد كل ما لا ينسجم? ولا يتوافق? مع هذا الرأي. ومن على منصة ساحة الحرية في مدينة تعز? اعتبرت السيدة توكل كل الذين خرجوا إلى شوارع صنعاء? وتعز? والمدن اليمنية الأخرى? المطالبين بإسقاط الحكومة? وتشكيل ح