اهمية النقد ومركزيته
يؤخذ على الفكر القومي انتسابه إلى الثقافة الغربية? وبالتالي اعتباره مكونا?ٍ غريبا?ٍ عن الثقافة العربية.. وأكثر من ذلك يذهب البعض إلى اعتباره امتدادا?ٍ مسيحيا?ٍ لمعتقدات تتعارض والطبيعة الإسلامية للأمة? تؤكد ذلك غلبة الهوية المسيحية للمفكرين العرب الذين استقدموا الفكر القومي من أوروبا في أواسط القرن التاسع عشر وما يزال بعض هذا البعض يرجع أسباب انهيار الإمبراطورية العثمانية وتخليها عن عالمها الإسلامي إلى هذا العامل.
التقصي الفاحص لطبيعة التطورات التي حكمت تلك الحقبة? لا تشير إلى عوامل إكراهية استدعت ضرورة تبني الفكر القومي كما لم يكن الفكر القومي مكونا?ٍ شاذا?ٍ في التركيبة الثقافية لتلك الحقبة والتي تلت مباشرة القرن الثامن عشر والمعروفة بعصر القوميات.
كان طبيعيا?ٍ أن يدرك العرب حقيقة وضعهم القومي وأن يبدؤا مسيرة البحث عن الذات القومية.. وباستثناء الحكم العثماني وبعض الأصوات السلفية? لا يذكر التاريخ ما يؤشر إلى استنكار عربي لاستحضار الفكر القومي واعتباره الهوية التي تؤكد عناصر الوحدة في الأمة وتنشر الوعي بحقيقة وجودها بعد أن كادت تنضوي تحت العباءة العثمانية.. كانت الأمة العربية على موعد مع لحظتها التاريخية? والثقافة التي حملت معها الفكر القومي كانت عماد الإحياء للذاكرة العربية في لغتها وتاريخها ووعيها بذاتها ومستقبلها? وشكلت قوام ثقافتنا القومية التي تنتصب أمامنا اليوم.
لكن الصورة اليوم لا تحمل مرتسمات الأمس القريب? ثمة تشوهات تتخلل اللوحة القومية تشير إلى اختلالات في الحامل والمحمول القوميين? تبدو المسألة وكأن زلزالا?ٍ كارثيا?ٍ أحاق بالأمة? وأطاح بكل ما حملته تلك الحقبة من مبادئ وقيم وأهداف? لم يتحقق شيئا?ٍ من ذلك باستثناء ما تفرضه قوى التطور والاستمرارية? وحتى هذا كان في الحقيقة محكوم بقوة وإرادة الآخر الذي يريد الأمة بالشكل التي هي عليه اليوم? زمن عبثي ماجن يسوق الأمة إلى حافة المجهول..
في استرجاع معرفي سريع للأسباب والعوامل التي قادت الأمة إلى حاضرها التعيس? تبرز الحاجة إلى العودة إلى البدايات ومسألة المصادر والهويات التي استقدمت الفكر القومي وعملت على نشره وتعميمه قيمة حياتية للإنسان العربي? وهي كما أسلفنا مصادر أوربية وهويات عربية مسيحية شكلت طلائع هذا الفكر…
في مسألة المصادر والهويات تبرز جملة من القضايا الإشكالية العالقة في منظومة ثقافتناالقومية:
أولا?ٍ: لا نعرف طبيعة الاستجابات التي كونتها هذه النخب في مقاربتها للتجربة الغربية? كما لا نعرف مدى إلمامها بالسيرورة التاريخية التي حكمت المسارات الوحدوية الغربية? بالقدر نفسه? لا نجد في الكتابات التبشيرية للقومية العربية? تفسيرا?ٍ كافيا?ٍ لظاهرة “المركزية الأوربية” التي رافقت نشوء القوميات في الغرب? انطلاقا?ٍ من تفوقها السلالي? وتميزها العرقي? مقابل الشعوب البدائية الأخرى? وقد عكس علم الاستشراق هذه الظاهرة بكل تجلياها في مراحل لاحقة من تناوله للمسألة القومية العربية? ربما كان لغياب هذا العامل أثره في تغليب الجانب الشكلي العاطفي للدعوة الوحدوية والتي ما تزال حاضرة حتى اليوم? على الجانب الموضوعي من مكونات وعينا القومي.
ثانيا?ٍ: افتقار هذا التيار إلى منظومة ناقدة للتراث/الفكر? يمك?ن من إعادة إنتاج ثقافتنا العربية? يستجيب لشروط التطلعات القومية? كان من نتيجته أن تحول العقل العربي إلى مجرد مستقبل للنماذج والتجارب الغربية? دون امتلاك القدرة على استيعابها وتبيئتها? ضمن شروط ومكونات منظومتنا الثقافية. يعود هذا حصرا?ٍ إلى الصبغة المسيحية لهذا التيار وتحرجه من عواقب ما قد ينجم من ردود أفعال إسلامية? إن هو مارس أسلوب النقد هذا? كما أن البيئة الإسلامية ذاتها? لم تكن في وارد تفعيل “مسألة النقد” تحت أي مسمي أو مستوى? ناهيك أن يصدر هذا النقد عن الطرف المسيحي في المجتمع العربي.
ثالثا?ٍ: هيمنة وطغيان العام في ثقافتنا القومية والتي اعتمدت إحياء التراث بشقيه الجاهلي والإسلامي? وترسيخه مكونا?ٍ أساسيا?ٍ في بنيتنا الثقافية? على حساب إقصاء الحاضر نقدا?ٍ? تقييما?ٍ وتجاوزا?ٍ? بذريعة الحرص على الوحدة الوطنية? وقد كان لهذا العامل أثره في تسي?د الوهم الخاطئ? بأن العودة إلى الماضي? كفيل بحل مشكلاتنا الراهنة.. هذه النزعة الهروبية? ما تزال تشكل عائقا?ٍ أمام قدراتنا الراهنة في فهم وتجاوز الحاضر.
هكذا جرى المزج بين الماضي والحاضر? ضمن ثقافة عجيبة? غاب عنها التحديد والتميز بين المهم والأهم? السابق واللاحق? العروبي والقومي? الخاص والعام? فبدت ساحتنا الثقافية هيولية الشكل? فاقدة المضمون? ومحكومة بالعام وحامله العاطفي.
هذه الإشكاليات? هي نفسها التي أجهضت المحاولات المتتالية للنهضة القومية? ابتداء?ٍ بالغزوة النابليونية لمصر (1798) ومرورا?ٍ بعصر التنوير العربي? كما لا تزال مظاهرها تطغى على المشهدين الثقافي والحزبي على وجه التحديد.
بطبيعة الحال هذا لا يقلل من قيمة وأهمية المحا