قراءة في لوحة دامية
اللوحة التي أرغب في الحديث عنها في هذه الزاوية بريشة فنان عالمي مشهور? وهي لا تكاد تختلف كثيرا?ٍ في مبناها ومعناها عن اللوحة التي يرسمها الواقع المخيف في سماء عالم اليوم وفي سماء الوطن العربي والإسلامي على وجه الخصوص. الأشجار تنـز دما?ٍ وتتهاوى تحت عنف الفأس? التي تحملها شجرة قاتلة تتولى إبادة الأشجار التي حولها إلى أن باتت جثثا?ٍ هامدة. وبعد أن تمكنت من إنجاز مهمتها المروعة هوت بالفأس على نفسها فانفصلت عن جذعها وصارت تترنح في طريقها لكي تصير هي الأخرى جثة هامدة شأن بنات جنسها ضحايا فأسها المجنونة مؤكدة -من ناحية حقيقة المثل السائد بين الناس- “ما تكسر الحجر إلا??ِ أختها” وتحمل من ناحية ثانية صورة رمزية تقدمها اللوحة واصفة بطريقة غير مباشرة ما يجري في الحياة وفي حياتنا العربية خاصة حيث يتقاتل الأخوة ويتصارع أبناء الأمة الواحدة بلا هوادة ولا رحمة في معركة خاسرة يسقط فيها القتيل والقاتل .
اللوحة بريشة الفنان الروسي “فلاديمير كوش” ومنشورة في غلاف العدد الأخير من مجلة “نزوى” العمانية. ولا أشك في أنها تركت في نفوس قر?اء المجلة الانطباع نفسه الذي تركته في نفسي لاسيما في الوقت الراهن حيث تنـز? أجساد العرب هنا وهناك دماء. وتتهاوى الجثث لتسقط خارج حدود المعركة المطلوبة للنصر أو الثأر. ومنذ الوهلة الأولى ذك?رتني هذه اللوحة بدمائها ودمويتها وبالأشجار الملقاة في العراء بجثث القتلى الملقاة أيضا?ٍ على أكثر من أرض عربية. كما تذكرني جذوعها الدامية شواهد القبور التي ضاقت بالمقابر في هذه الآونة الفاجعة من حياة العرب وحياة المسلمين عامة في بقاع الأرض. وتحملني عنوة?ٍ إلى ما يحدث في جمهورية أفريقيا الوسطى من قتل للمسلمين وتهجير قسري وتنفيذ ما يسمى بقرار عدواني لا إنساني بتنظيف ذلك البلد الأفريقي من المسلمين والإسلام.
يحدث ذلك في وقت يتوالى فيه سقوط مئات بل آلاف الضحايا المسلمين يوميا?ٍ على أيدي المسلمين في العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان والصومال وليبيا واليمن. وكان في مقدور هذا العدد من ضحايا الحروب الأهلية والصراعات السياسية أن يحفظ للمسلمين في أماكن كثيرة من العالم حياتهم وكرامتهم. وكان في مقدور ظهورهم بمظهر التضامن والاتحاد أن يمنعوا الأعداء من التفكير -مجرد التفكير- في العدوان على أخوتهم في العقيدة ليس في جمهورية أفريقيا الوسطى فحسب وإنما في كل أنحاء العالم. فالضعف والتخاذل والاحتراب الدائر بين المسلمين هنا وهناك يغري المعتدين ويدفع بهم إلى مواقف أسوأ وأنكى. ومن المحزن والمبكي أن المتصارعين في هذا البلد العربي أو ذاك? في هذا البلد الإسلامي أو ذاك يتجاهلون ما يحدث لأشقائهم? ولا يريدون أن يمدوا أبصارهم إلى حيث ينبغي أن يكون قتالهم وتضحياتهم دفاعا?ٍ عن الحق وإعلاء?ٍ لكلمة الله.
لقد رأينا كيف أن الشجرة القاتلة في اللوحة المشار إليها لم تجد ما تفعله بعد أن ذبحت بقية الأشجار المجاورة لها سوى أن تذبح نفسها وتتهاوى ولعلها وهي في طريقها إلى السقوط تتذكر أن جنايتها لم تقف عند الآخر الذي تخلصت منه بفأس الحقد وإنما كانت تسعى دون أن تدري بوضع حد لنهايتها هي وبالفأس ذاتها… وهنا تضيء الحكمة وتتوهج العبرة التي يمكن لنا أن نستخلصها من موضوع هذه اللوحة الدامية ولنبحث فيها عن أمثلة مشابهة منتزعة من واقعنا المخيف فقد صرنا نقتل بعضنا بلا هوادة وصار العربي أينما يوجه وجهه لا يرى في واقعه سوى هذه اللوحات أو بالأصح المشاهد القاتمة. وبعض هذه اللوحات اكتمل واستوى وبعضها في طريقها إلى الاكتمال والاستواء. ومن الواضح أن هذا النوع من المشاهد لا يتم رسمه وتكوينه بأيدي فنانين مبدعين وإنما بأيدي مجرمين بكل ما لكلمة إجرام من معان فاجعة ومروعة? وهم بهذا الاختيار الإجرامي المغلوط لا يدمرون خصومهم فحسب بل وأنفسهم أيضا?ٍ.
الشاعر أبوبكر محمود باجابر في “أكاليل ضبابية”
هو الديوان الأول للشاعر الموهوب أبوبكر محمود باجابر ابن المكلا وربيب الشاطئ الجميل. للديوان مقدمة بقلم الدكتور سعيد الجريري يشير فيها إلى أن الشاعر أبوبكر يثبت بديوانه هذا “حضوره الشعري بعد أن شف? منذ محاولاته الأولى عن صوت?ُ راو?ُ يفيض على عشاق الشعر ماء من مجاز وشجن” يقع الديوان في مائة وصفحتين من القطع المتوسط.
تأملات شعرية:
وحده لا سواه?.
نعم وحد?ِه?ْ
من يعيد إلى الأرض بهجت?ِها
وإلى الناس ض?حكت?ِهم?
فهو سبحانه من يرى حزننا
ومخاوفنا من ع?ْلاه?.
وحد?ِه?ْ سوف يمسح ما رسمته
الشياطين في الأفق
من لوحات المآسي
وما اقترفته أيادي الطغاة?.