من وحي الاعلام الرسمي
المعنيون باعداد الاخبار والتقارير الاعلامية الخاصة بلقاءات وتحركات فخامة الاخ رئيس الجمهورية اما انهم يعملون احيانا ضد الرئيس بشكل متعمد? وإما أنهم بحاجة الى تأهيل وتدريب يمكنهم من اختيار وانتقاء الكلمات والصياغات اللغوية الراقية المناسبة التي تعكس أقوال وافعال الرئيس بشكل حصيف وغير ساخر أو مستهجن? والتي تصل احيانا الى درجة من السوء تجعل الاعلام غير الرسمي يعيد صياغتها بشكل أفضل يليق بشخص الرئيس.
.
معظم وسائل الاعلام الرسمي ابتعدت عن مشاكل والام الناس واوجاعهم? ولم تكتفي بهذا الصمت فقط? بل راحت تمارس نوعا من التظليل وتزييف وعي الناس بان كل شيء على ما يرام وأن لا احد مطلقا يعاني من شيء? ما جعل وسائل الاعلام الأخرى اكثر متابعة من الرسمية? السيئ في الأمر ان هذا لا يعد تظليلا للشارع فحسب ولكنه بالدرجة الاولى تظليل للقيادة السياسية وعلى رأسها فخامة رئيس الجمهورية? وبالتالي توسيع ذات البيئة المتعفنة لنمو الفاسدين المحيطين بالرئيس والمؤسسة الرئاسية? إذ يضرب المستفيدين من هذا التظليل سورا من الوهم حول صانع القرار ? ويعملون على اعادة انتاج شبكات المصالح النخبوية حتى تصبح اقوى من صانع القرار? ثم تتحكم به كيفما تشاء? وكل ذلك بلا شك على حساب المجتمع الذي نتشدق بانه ثار من اجل النزاهة والشفافية وحرية التعبير? وأننا اليوم نحقق له احلامه.
.
ينسحب ما سبق على دأب الاعلام الرسمي – سيما المرئي – وبشكل قسري على الغاء وطمس الذاكرة السياسية والوطنية للمجتمع اليمني بسلبياتها وايجابياتها ورموزها واحداثها التاريخية? وبشكل انتقائي غير ديموقراطي لا يختلف عن الاعلام القمعي والاقصائي والديكتاتوري الذي طالما شكونا وعانينا منه تجاه الرأي الأخر ? والشخص الأخر ? والفعل الأخر ? وبالمقابل يبذل هذا الاعلام محاولات قيصرية وبليدة لتوليد ذاكرة سياسية جديدة ومغايرة للناس? على أمل ان يقبلوا ويؤمنوا بها كما هي? وكانهم مجرد روبوتات آلية سيتم تغيير حياتها وسلوكياتها بواسطة برامج مستنسخة على اقراص مدمجة? ناهيك عن الاسراف في تمجيد المفاهيم الاحادية والفردية دون الجمعية والكلية? فنبدو كمن يدعي أن الاصنام تغضب الله? ويدعوا لتحطيمها? بينما هو يصنع المزيد منها.
.
الاعلام الرسمي الناضج غالبا ما يكون حاضنا للجميع بدون قيد أو شرط? وبعيدا عن المحاذير والخطوط الحمراء التي قد تعزله منفردا في جزيرة الواقفين خلف تلك الخطوط فقط. مع ذلك في بلادنا أعتقد أنه ما فات شيء بعد? وأن الفرصة لا زالت مواتية لاصلاح السياسات الاعلامية وفق اسس وطنية قادرة على استيعاب الجميع? بعيدا عن الموجهات التي لا تخدم الاهداف السامية لهذا الجهاز المؤثر في حياة الناس? وذلك الامر يستوجب من جهة دعم المؤسسات الاعلامية بما يؤهلها لتلك المهمة من متطلبات وامكانات وصلاحيات مادية وادارية وقانونية? ومن جهة اخرى ينبغي التخفيف من التدخلات والتعيينات السياسية في الجوانب المهنية الاعلامية? وترك المبدعين في هذا المجال – وهم كثر – لابراز ملكاتهم وقدراتهم والارتقاء برسالة الاعلام? والاقتراب من حياة الناس وافكارهم وتطلعاتهم ونشاطاتهم بعيدا عن التصنيفات البوليسية? بما يسهم في تبصير القيادة السياسية ومساعدتها على استقراء الواقع كما هو? واتخاذ القرارات المناسبة حيال هذا الواقع? وبالنتيجة تحقيق المصالح العليا للوطن.