الخاسر والمنتصر من مؤتمر الحوار
إنتهى مؤتمر الحوار الوطني الشامل بعد مضي عشرة أشهر من المناورات والسجالات السياسية وغير السياسية داخل وخارج أروقة المؤتمر? ومن الغدر والإغتيالات والمواجهات المسلحة والإرهابية على عموم الساحة اليمنية وذلك في إطار جولة من صراع ماراثوني طويل ومتعرج يسجله التاريخ اليمني المعاصر بين قوى الخير التي تقف مع طموحات الأغلبية العظمى من جموع الشعب اليمني في طلب العيش والأمن والإستقرار والحياة الكريمة? وقوى الشر التي تريد أن تواصل هيمنتها في قهر الإنسان وحرمانه من حقوقة وإستنزاف ونهب أراضيه وثرواته.
وفي “برواز” هذا الصراع الوجودي لكلا الطرفين? لا يوجد عصا سحرية لترجيح كفة طرف على الطرف الآخر بشكل قاطع او إزاحته بالكامل من المشهد الكلي لاسيما عندما يتعلق الأمر بتاريخ طويل من التراكمات الكارثية التي تغولت في الكيان اليمني وباتت جزء أصيل من مكوناته الإجتماعية. وفي نفس الوقت لا يوجد أيضا?ٍ عقار سحري لإشفاء هذا الكيان بإستئصال المرض من جسمه بشكل نهائي.
مؤتمر الحوار الوطني كان عبارة عن جرعة تنشيطية تم بها حقن جسم المريض ليتعافى بعض الشيء بعد أن فشل في النهوض من سريره بعد ثورة 11 فبراير بفعل حقنة المبادرة الخليجية الكبيرة التي خدرت جسمه وأعصابه بالكامل لدرجة الغيبوبة? فكان لابد من تنشيطه بعض الشئ ليتمكن من العودة إلى حياته العادية السابقة ولكن بحسب إرشادات الطبيب المعالج الذي قام بتزويده ببعض المقويات التي تساعده على التحسن لمواصلة الماراثون الطويل.
لا شك بأن مؤتمر الحوار الوطني كان سابقة جديدة تحدث لأول مرة في حياة المجتمع اليمني من حيث إشراك قوى جديدة في إتخاذ القرار ضد القوى التقليدية التي إحتكرت الحياة السياسية وغيرها منذ عقود طويلة حين لم يكن ي?ْسمح إلا لمشائخ القبائل والأعيان الحضور والمشاركة في مثل هكذا مؤتمرات لإتخاذ قرارات مصيرية خاصة بالبلاد. هذا التطور بحد ذاته يعتبر إنتصارا?ٍ كبيرا?ٍ للقوى الشابة والشرائح الأخرى من المجتمع اليمني ونقطة فارقة في تطور العمل السياسي في اليمن التي لابد أن تؤخذ بالحسبان ويؤسس على قاعدتها في المستقبل.
الإنتصار الثاني حققه الرئيس عبدربه منصور هادي وذلك من خلال إنتزاع صلاحيات جديدة لإجراء التعديلات المطلوبة في الحكومة. صحيح أنه لم يتحقق تغيير الحكومة بالكامل كما يريد المجتمع اليمني وأنصاره من المكونات الوطنية الجديدة داخل المؤتمر? إلا أنه مالا ي?ْدرك كله فلا يترك ج?ْله. وقد دفع الشعب اليمني ثمن هذا الإنتصار من خيرة أبناءه وعلى رأسهم الشهيدين الدكتور أحمد شرف الدين والدكتور عبدالكريم جدبان من مكون أنصار الله في مؤتمر الحوار.
لم يخلو المؤتمر أيضا?ٍ من إنتصارات ميدانية وجهادية على الأرض حققها (أنصار الله) بمصاحبة سياسية حققها الرئيس هادي ضد المكونات التقليدية الم?ْمثلة في المؤتمر. إخلاء منطقة دماج من الإرهابيين الأجانب والمحليين التابعين لآل الأحمر والقضاء على مدارسهم التكفيرية في مناطق متعددة كان إنتصارا?ٍ ميدانيا?ٍ ساحقا?ٍ وعظيما?ٍ لأن هذه البؤر الإرهابية كانت تشكل تهديد مباشر وغير مباشر على إنتقال اليمن من عهد التخلف إلى زمن التغيير فضلا?ٍ عن أنها كانت تمثل قوة الرعب التي كان يستند عليها آل الأحمر وأتباعهم في تهديد مستقبل اليمن? وتمهد الطريق لإغلاق بقية البؤر الإرهابية وعلى رأسها جامعة الإيمان.
أما الإنتصار الأهم فهو كسر الشوكة الدموية لآل الأحمر وأسرتهم الطفيلية التي عاشت على إمتصاص دماء الشعب اليمني شمالا?ٍ وجنوبا?ٍ ونهاية تسلطهم على قبيلة حاشد الأبية. وينسحب هذا الإنتصار على إضعاف وتقليص حجم وقدرات حزب التجمع اليمني للتمصلاح ومليشياته الإرهابية? ليأتي الدور قريبا?ٍ على إقفال الوكر الفكري للإرهاب المتمثل بجامعة (الإدمان).
لذا فمن نافلة القول أنه لن يستفيد أحد الآن من كيل التهم جزافا?ٍ على (الموفنبيكيين)? لقد قدموا ماستطاعوا أن يقدموه في ظل معطيات سياسية وإجتماعية وإقتصادية وأمنية قاسية ومعقدة? لقد قسونا عليهم نوعا?ٍ ما في بعض من مقالاتنا السابقة ولكن كان ذلك من أجل أن يقدموا أفضل مالديهم لإنجاح المؤتمر وأما بعد أن قدم بعضهم حياته ثمنا?ٍ لذلك? وبذل بعض آخر كل مايستطيع من جهد لتعزيز المصلحة الوطنية فوق كل الإعتبارات لا يسعنا إلا أن نتقدم إليهم بالشكر والإمتنان على كل مابذلوه للخروج بالمؤتمر بالشكل الذي وصل إليه? ومايزال هناك بقية لمارثون الإنتصارات الطويل.
bassethubaishi@yahoo.com