لم يفت الأوان حتى نبدأ من جديد
العيش مع قصص العظماء والناجحين وقراءة تاريخهم وسيرهم يعزز الثقة بأن الأوطان لا تموت ? وإلا لما كان قادة التحولات مروا من هنا وعبروا التاريخ وتركوا بصماتهم في شتى المجالات لإحداث التغيير.
ومن اجل التغيير فقط يقدم الاحرار ارواحهم فداء للوطن .. ومن اجل الدولة والقيم والإنسانية فقط يقدم الرواد حياتهم قربانا ويضربون اروع الامثلة , واستشهاد الدكتور احمد شرف الدين , سطر اروع المواقف لكل الاحرار , ولكل الشرفاء الذين اختاروا النضال من اجل بناء اليمن وتغييره , وضحوا بأغلى ما عندهم.
عندما يتعلق الأمر بالقامات والخبرات والعقول والكفاءات والرموز الوطنية ? ويتم استهدافها فإن على
كل من يحب هذا الوطن ألا يتردد في ركل الخلافات وأن يدوسها بقدميه ? وأن يتخلى فورا?ٍ عن دعوات الفرقة لإدانة أساليب الشر وقواه ? لأن اأسباب الاختلاف تستحق أن تداس عندما يراق دم أي مخلوق كان على وجه الأرض.
ورغم أن الشهيد أحمد شرف الدين كان يعلم خطورة الأوضاع , وتربص الخصوم , وانتشار قوى الظلام من جديد ? غير أنه مشي بثقافته وبتكوينه المعرفي , على اعتبار أن لغة السلام ستنتصر يوما ما , حتى لو قدم من أجل ذلك حياته .
مثل هذا الرجل ? وإن ح?ْسب على قوى واتجاه سياسي معين ? كان مشروعا?ٍ بذاته ? إذ كرس حياته للتغيير ? وساهم في كل المراحل في إقامة دولة الحق والنظام والمدنية , وحتى قدم روحه الطاهرة ثمنا لكل قناعاته.
تذكرت أول مرة سمعت الدكتور أحمد شرف الدين رحمة الله عليه وهو يتحدث عن التشريعات القانونية والسياسية في التلفزيون الرسمي خلال عملية الاعداد للانتخابات التشريعية 1991 وكنت حينها طالبا في الثانوية العامة ? وشدني حديثه وبلاغته وطرحه المليء بالأمل والحب لهذا الوطن ..
وفي العام 93 التقيت بهاشم أحمد شرف الدين في كلية الاعلام وكان من أعز زملائي وأصدقائي في الجامعة وتعرفت أنا والكثير من الاعلاميين والصحفيين على والده الفاضل ..
إنه قامة كبيرة تذهلك وتبهرك بعلمها الواسع .. هكذا يفيض علما?ٍ وتواضعا?ٍ وهالة ? وما أروع الإنسان عندما يكون فقيها?ٍ ونهرا?ٍ من العطاء , وموسوعة معرفية تمشي بين الناس .
كنا في فرص قليلة نسمع محاضراته أو نتحدث معه نشعر بكل تأكيد بذهول بل وإبهار كبير وهو يتحدث ويطوف في استحقاقات ومبادئ قانونية ونماذج تشريعية وتحولات تتطلبها الحياة السياسية , وهو طليق الوجه ? وبشوشا وأنيقا بالكلمات والجمل وبما يسرد من حجج وبيان ..
إلى جنة الخلد أيها العالم الهمام والقانوني الذي لو كان في اليمن ثلاثة متمكنين وبارعين في مجالك ,لكنت أهمهم وأكفأهم ? ولو أن العدد كان أكبر لكنت قطعا?ٍ في المقدمة .
هذا أقل وصف استرجعته سريعا ? عندما فاجئني زميلا?ٍ لي في العمل كان يتصفح النت بقوله ( لقد اغتالوا الدكتور أحمد شرف الدين : أبو هاشم )…
يالهول الفاجعة ويا لعظيم خسارتك أيها الوطن من خبر صاعق كهذا !!!
وإن كانت اليمن قد فقدت اليوم قانونيا فذا?ٍ ومتخصصا متميز في القوانين الدستورية والتشريعات التي تبني أسس نظم الدولة ومنهجها السياسي فإن على كل القوى أن تمضي على نهج شرف الدين وأن تعده أنموذجا?ٍ يجب أن يتفق حوله الجميع ? لأن اليمن تبقى ومن أجلها تكون التضحيات , وتبا لكل الاجتهادات والاختلافات المظلمة التي تلجأ للغة العنف ولعلعة الرصاص عندما تكون ضعيفة الحجة وهزيلة الفكر .
وأمام هذه التراجيديا المؤلمة نستحضر أقوال مهمة منها رأي يعد قاعدة فقهية وفتوى ينبغي أن تدرس , للقاضي عبد الرحمن الإرياني ثاني رئيس للجمهورية ? والذي وجد وبصورة بلاغية ? أن كرسي الحكم لا يستحق أن يسفك من أجله حتى دم طائر دجاج .. لماذا? : لأنه عرف أن هدم الكعبة حجرا حجرا?ٍ أهون عند الله من إراقة دم مسلم , وأزيد على ذلك .. ومن إراقة دم أي كائن بشري ظلما?ٍ وعدوانا .
ولأن عجلة اليمن يجب أن تمضي إلى الامام ? من الأهمية أن يقف الجميع بعد هذا الامتحان المر وبعد هذه المخاطر التي تهدد اليمن ? وآخر الفرص التي يحفرها الرئيس عبدربه منصور هادي على جدار مليء بعقد صلبة , وقطعا فإن الشعب كله يقف خلف رئيسه ليفتحا معا مدى جديد وأفق شاسع للحياة , وحتما?ٍ ستصل اليمن بإذن الله إلى مكانتها التي تستحقها بين دول الكون المتقدم ? اذ ان بعد كل عاصفة تسطع شمس دافئة ? وبعد الرياح العاتية تتنزل الرحمة ويهطل الغيث.
الجريمة جد خطيرة .. والاغتيال هز اليمن كله لأن الجريمة تضمنت رسالة نكراء تجاوزت كل السيناريوهات التي جرت في الماضي ? ولأنها أصابت الشعب وحلمه بوطن يمشي به الجميع بدون سلاح ..لكننا مع الاسف في ظل اعين شرطه تبحث لنفسها عن حراسة .
ولك أخي العزيز هاشم , ولحسن ومحمد وعلي أحمد شرف الدين , وللوطن كله ولكل قلم وكتاب عظيم العزاء ..
وكما قيل في السلف الصالح : تنزل الرحمة عند ذكر الصالحين …
وإن استشهد والدكم فإنه لم يمت وحسبنا أن أقواما شهداء تحيا القلوب بذكرهم ..
وأن أقواما أ