وترج??ِل الدكتور شهيدا?ٍ
هي المصائب ما أكثرها والفجائع ما أكبرها , تحط رحالها هنا ثم تنتقل هناك , ما نلبث أن نصحو من فاجعة حتى تكون الأخرى بانتظارنا , لكأن القدر قد رسم لنا مصفوفة كوارث وابتلاءات .
مازلت مصدوما?ٍ من فاجعة الإغتيال الآثم التي استهدفت الدكتور العلامة عبدالكريم جدبان لتأتي الأخرى قريبة من لا يفصلني عنها سوى عشرات الأمتار .
بينما كنت داخل وكالة عومان أشتري خط موبايل سمعت دوي طلقات رصاص قريبة !!
حملات البحث الصورية عن الأسلحة تعمل بالقرب من الحادث , اليوم تحديدا?ٍ لم يكن رجال الأمن المركزي في الجهة الشرقية من جسر سبأ لقد كانوا بالقرب من كشك الصحف , في الجهة المقابلة لمقر حزب الحق , ولأني تخطيت أشاوس الأمن راجلا?ٍ وهم يقومون بعمليات تفتيش دقيقة لفتت انتباه أحد المارة بجواري فخاطبهم معجبا?ٍ : هكذا التفتيش لو بتعملوا هكذا ما وقع شيء وبمجرد سماعي الرصاص القريب من نقطة الأشاوس تساءلت : ما هذا الصوت ? يا الله اسمعنا خير .
بعد لحظات جاء الخبر قتلوا دكتور عند مطعم السفير , وانقبض قلبي حين سمعت كلمة شرف الدين فلم أكن للحظة أتوقع أن تكون تلك الرصاصات الغادرة المخيفة قد استهدفت جسد الدكتور أحمد عبدالرحمن شرف الدين .
ما زالت نفسي تتوقع أن يكون هناك تشابه في الأسماء وأن المغدور به ليس الدكتور أحمد عبدالرحمن فلربما يكون شخص آخر لذا خرجت من وكالة عومان أبحث عن الخبر فليس لي قلب لرؤية المشهد فتأكد لي بأنه هو فانكسرت نفسي وارتجف قلبي وتوقفت أحدث نفسي :
إستهداف الدكتور أحمد يعني استهداف المدنية والسلم , يعني استهداف الوطن بتغييب قامة وطنية قانونية لا نظير لها في الأشباه , يعني محاولة لإفشال مؤتمر الحوار قبل أيام من جلسته الختامية , كما يعني امتحان كبير لأنصار الله يقيني بأنهم سيتجاوزوه بالحكمة المعهودة وبتوخي الحذر والحيطة من الآن فصاعدا وألا مجال لترك الأمور على الله وقد علمنا الشرع الشريف ” إعقلها وتوكل ” فالإستهداف الذي طال الدكتور عبدالكريم وجريمة العرضي البشعة ثم الدكتور أحمد , جميعها يؤكد بألا خطوط حمراء لدى الإجرام وأن الجميع مستهدف بلا استثناء فهل تعقلون ?
إنه لا يعلم حجم الكارثة التي حل??ِت بالوطن ولا يعي الخسارة التي م?ْنيت بها الطبقة العلمية والأكاديمية ولا يدرك الفاقرة القانونية والثلمة التي بانت في جسد اليمن إلا من عرف الدكتور الشهيد وما كان يمثله والعقلية الكبرى المتميزة والفريدة التي كان يتمتع بها .
يعلم الخصم الفاجر الشقي بأن من يستهدفهم مدنيون لا يحملون سلاحا?ٍ وليس لهم مرافقين مسلحين يذودون عنهم ليحسب لهم حسابا?ٍ فبات يقوم بعمله مطمئنا?ٍ يقتل ويغادر مسرح الجريمة رافع الرأس فلوبي القتل والتصفية الذي أرسله قد جه??ِز كل شيء تحسبا?ٍ لأي طارئ .
ما بين وسيلتي القتل :
في العقد الأخير من القرن العشرين اشتهرت سيارة الهايلوكس الغمارتين مطلع التسعينات تحديدا?ٍ – بعد الوحدة – بأنها وسيلة التصفية والإغتيالات التي دفع نصيب الأسد منها كوادر وقيادات الحزب الإشتراكي .
بعد انتشار الدراجات النارية في المدن بشكل ملفت وبلا ضوابط حل??ِت كوسيلة سهلة بديلة لعمليات القتل الممنهج في العقد الأول ومطلع الثاني من القرن الواحد والعشرين وكان الدكتور الشهيد عبدالكريم جدبان آخر ضحاياها , وبعد قرار إيقافها المؤقت في العاصمة لم نعد نسمع عن جريمة وقعت بدراجة , وحين كانت الغمارتين هي الوسيلة التي كان يستقلها قتلة الدكتور أحمد عادت بي الذاكرة عقدين من الزمن فها قد عادت وسيلة القتل السابقة بعد فترة ركود .
الدكتور الشهيد :
بفعل عوامل كبيرة ستظهر للحصيف تاليا?ٍ كان مغمورا?ٍ في العقدين الأخيرين , ولأن هناك من يجهل شخصيته المتميزة والفريدة فما أعرفه عنه أنه :
· أكبر شخصية علمائية أكاديمية حديثة جمعت بين الأصالة والمعاصرة .
· أول دكتور يمني يتولى عمادة كلية في جامعة صنعاء .
· أول يمني يحصل على درجة الأستاذية في القانون .
· أول من أسس مؤسسة للرعاية الإجتماعية باسم آل البيت عليهم السلام .
· أول من طالب بالخ?ْمس لآل رسول الله من المشتقات النفطية .
ومقابل هذين الأخيرين دفع ثمنا?ٍ باهضا?ٍ من عمله وماله وممتلكاته ووصل الخطر لحياته .