ضوابط الهبة الحضرمية
قال الله عز وجل : {ك?ْن?ت?ْم? خ?ِي?ر?ِ أ?ْم??ِة?ُ أ?ْخ?ر?ج?ِت? ل?لن??ِاس? ت?ِأ?م?ْر?ْون?ِ ب?ال?م?ِع?ر?ْوف? و?ِت?ِن?ه?ِو?ن?ِ ع?ِن? ال?م?ْن?ك?ِر? و?ِت?ْؤ?م?ن?ْون?ِ ب?الل??ِه? و?ِل?ِو? آم?ِن?ِ أ?ِه?ل?ْ ال?ك?ت?ِاب? ل?ِك?ِان?ِ خ?ِي?ر?ٍا ل?ِه?ْم? م?ن?ه?ْم?ْ ال?م?ْؤ?م?ن?ْون?ِ و?ِأ?ِك?ث?ِر?ْه?ْم?ْ ال?ف?ِاس?ق?ْون?ِ } [آل عمران: 110]. إن الله عز وجل يتحدث إلينا ويخاطبنا في هذه الآية نحن أمة?ٍ الإسلام , يبين لنا فيها فضلنا وخيريتنا على سائر الأمم , ويبين لنا فيها ما تميزت به أمتنا عن سائر الأمم , ما اتصفت به من صفات تميزت بها حتى صارت بها خير أمة أخرجت للناس , فما هي الصفات التي صارت بها أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم خير أمة أخرجت للناس ? لقد تميزت هذه الأمة العظيمة بميزتين عظيمتين , واتصفت بصفتين جليلتين :
أولاهما الإيمان بالله عز وجل , إيمانا صحيحا صادقا حيا, إيمانا بإله واحد أحد لا يستحق العبادة أحد سواه , مع الإيمان برسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم , وبكل ما جاء به من عند ربه عز وجل مع الطاعة المطلقة والاستسلام التام , ومن الإيمان بالله عز وجل الاحتكام لشرعه في كل صغيرة وكبيرة , وإلا فإنه النقض للإيمان والرد للإسلام , قال الله عز وجل : {ف?ِل?ِا و?ِر?ِب??ك?ِ ل?ِا ي?ْؤ?م?ن?ْون?ِ ح?ِت??ِى ي?ْح?ِك??م?ْوك?ِ ف?يم?ِا ش?ِج?ِر?ِ ب?ِي?ن?ِه?ْم? ث?ْم??ِ ل?ِا ي?ِج?د?ْوا ف?ي أ?ِن?ف?ْس?ه?م? ح?ِر?ِج?ٍا م?م??ِا ق?ِض?ِي?ت?ِ و?ِي?ْس?ِل??م?ْوا ت?ِس?ل?يم?ٍا } [النساء: 65]. فلا إيمان ولا خيرية لمن لا يحكم شرع الله عز وجل في كل شؤون حياته .
وأما الصفة الثانية التي تميزت بها هذه الأمة عن سائر الأمم فهي الصفة التي ذكرها الله عز وجل أولا بقوله : {ك?ْن?ت?ْم? خ?ِي?ر?ِ أ?ْم??ِة?ُ أ?ْخ?ر?ج?ِت? ل?لن??ِاس? ت?ِأ?م?ْر?ْون?ِ ب?ال?م?ِع?ر?ْوف? و?ِت?ِن?ه?ِو?ن?ِ ع?ِن? ال?م?ْن?ك?ِر?}, إنها صفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ولجلالة قدر هذه الصفة قدمها الله عز وجل في الذكر في الآية على الإيمان بالله تنبيها على أهميتها , وتأكيدا على المحافظة عليها والاتصاف بها .
وإن من أعظم ما يدخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الدعوة إلى إحقاق الحق وإقامة العدل وإزالة الظلم والانتصار للمظلومين , قال الله عز وجل :{و?ِال??ِذ?ين?ِ إ?ذ?ِا أ?ِص?ِاب?ِه?ْم?ْ ال?ب?ِغ?ي?ْ ه?ْم? ي?ِن?ت?ِص?ر?ْون?ِ . و?ِج?ِز?ِاء?ْ س?ِي??ئ?ِة?ُ س?ِي??ئ?ِة?َ م?ث?ل?ْه?ِا ف?ِم?ِن? ع?ِف?ِا و?ِأ?ِص?ل?ِح?ِ ف?ِأ?ِج?ر?ْه?ْ ع?ِل?ِى الل??ِه? إ?ن??ِه?ْ ل?ِا ي?ْح?ب??ْ الظ??ِال?م?ين?ِ . و?ِل?ِم?ِن? ان?ت?ِص?ِر?ِ ب?ِع?د?ِ ظ?ْل?م?ه? ف?ِأ?ْول?ِئ?ك?ِ م?ِا ع?ِل?ِي?ه?م? م?ن? س?ِب?يل?ُ . إ?ن??ِم?ِا الس??ِب?يل?ْ ع?ِل?ِى ال??ِذ?ين?ِ ي?ِظ?ل?م?ْون?ِ الن??ِاس?ِ و?ِي?ِب?غ?ْون?ِ ف?ي ال?أ?ِر?ض? ب?غ?ِي?ر? ال?ح?ِق?? أ?ْول?ِئ?ك?ِ ل?ِه?ْم? ع?ِذ?ِاب?َ أ?ِل?يم?َ . و?ِل?ِم?ِن? ص?ِب?ِر?ِ و?ِغ?ِف?ِر?ِ إ?ن??ِ ذ?ِل?ك?ِ ل?ِم?ن? ع?ِز?م? ال?أ?ْم?ْور?} [الشورى: 39 – 43] وفي الحديث ع?ِن? أ?ِن?ِس?ُ ر?ِض?ي?ِ الل??ِه?ْ ع?ِن?ه?ْ? ق?ِال?ِ: ق?ِال?ِ ر?ِس?ْول?ْ الل??ِه? ص?ِل??ِى الله?ْ ع?ِل?ِي?ه? و?ِآله وس?ِل??ِم?ِ: «ان?ص?ْر? أ?ِخ?ِاك?ِ ظ?ِال?م?ٍا أ?ِو? م?ِظ?ل?ْوم?ٍا» ف?ِق?ِال?ِ ر?ِج?ْل?َ: ي?ِا ر?ِس?ْول?ِ الل??ِه?? أ?ِن?ص?ْر?ْه?ْ إ?ذ?ِا ك?ِان?ِ م?ِظ?ل?ْوم?ٍا? أ?ِف?ِر?ِأ?ِي?ت?ِ إ?ذ?ِا ك?ِان?ِ ظ?ِال?م?ٍا ك?ِي?ف?ِ أ?ِن?ص?ْر?ْه?ْ? ق?ِال?ِ: «ت?ِح?ج?ْز?ْه?ْ? أ?ِو? ت?ِم?ن?ِع?ْه?ْ? م?ن?ِ الظ??ْل?م? ف?ِإ?ن??ِ ذ?ِل?ك?ِ ن?ِص?ر?ْه?ْ» رواه البخاري . بل إن الرسول ص?ِل??ِى الله?ْ ع?ِل?ِي?ه? وآله و?ِس?ِل??ِم?ِ كان يشيد بحلف وقع في الجاهلية كان أساسه نصرة المظلوم , فع?ِن? ط?ِل?ح?ِة?ِ ب?ن? ع?ِب?د? الله? ب?ن? ع?ِو?ف?ُ رضي الله عنه أ?ِن??ِ ر?ِس?ْول?ِ الله? ص?ِل??ِى الله?ْ ع?ِل?ِي?ه? وآله و?ِس?ِل??ِم?ِ ق?ِال?ِ: ” ل?ِق?ِد? ش?ِه?د?ت?ْ ف?ي د?ِار? ع?ِب?د? الله? ب?ن? ج?ْد?ع?ِان?ِ ح?ل?ف?ٍا م?ِا أ?ْح?ب??ْ أ?ِن??ِ ل?ي?ِ ب?ه? ح?ْم?ر?ِ الن??ِع?ِم?? و?ِل?ِو? أ?ْد?ع?ِى ب?ه? ف?ي ال?إ?س?ل?ِام? ل?ِأ?ِج?ِب?ت?ْ ” رواه البيهقي وغيره .
كان ذلك الحلف هو حلف الفضول وسببه أن رجلا من ز?ْبيد جاء إلى مكة بتجارة له فابتاعها منه العاصي بن وائل السهمي ثم مطله حقه … ثم إن الرجل قام على جبل أبي قبيس صارخا متظلما , وقريش في نواديها فسمعه الزبير بن عبد المطلب عم الرسول ص?ِل??ِى الله?ْ ع?ِل?ِي?ه? وآله و?ِس?ِل??ِم?ِ, فقال : ألهذا مترك? وسعى في الأمر ودعا للحلف فاستجاب لدعوته ب?ِن?ْو ه?ِاش?م?ُ? و?ِب?ِن?ْو ال?م?ْط??ِل?ب?? و?ِأ?ِس?ِد?ْ ب?ن?ْ ع?ِب?د? ال?ع?ْز??ِى? و?ِز?ْه?ر?ِة?ْ اب?ن ك?ل?ِاب?ُ? و?ِت?ِي?م?ْ ب?ن?ْ م?ْر??ِة?ِ ف?ِاج?ت?ِم?ِع?ْوا ل?ِه?ْ ف?ي د?ِار? ع?ِب?د? الل??ِه? ب?ن? ج?ْد?ع?ِان?ِ التيمي ل?ش?ِر?ِف?ه? و?ِس?ن??ه?? ف?ِك?ِان?ِ ح?ل?ف?ْه?ْم? ع?ن?د?ِه?ْ, ف?ِت?ِع?ِاق?ِد?ْوا و?ِت?ِع?ِاه?ِد?ْوا ع?ِل?