الديمقراطية للغرب وليست لنا
يتمنى الكثيرون من سكان اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ان تأتيهم الديمقراطية في يوم ما على طبق من الذهب. وغالبا?ٍ يضعون اللوم على حكامهم “الانانيين “. وفي كثير من الاحوال يناشد بعضهم الحكومات الغربية “اليمقراطية” كبريطانيا وامريكا ان تنقذهم من هؤلاء الحكام كما حدث في ليبيا وسوريا. من الضروري اذن شرح جوهر الديمقراطية الغربية اولا?ٍ ثم ذكر الاسباب التي تمنع وصول اليمقراطية الى الشرق الاوسط بل الى العالم الثالث عموما?ٍ.
منذ نشوءها انحصرت الديمقراطية بالحكام دون المحكمومين. فالدولة الاغريقية التي اخترعت الديمقراطية حصرتها بيد حوالي 90 الفا?ٍ من الاحرار الاثرياء دون العبيد البالغ عددهم حوالي 365000 . وحين عرفت الديمقراطية بـ ((حكم الشعب)) كانت كلمة (( الشعب )) تقتصر فقط على (( الذكور البالغين من الاحرار. )) ( راجع الانسكلوبيديا البريطانية). فلم يكن للأغلبية الساحقة من سكان اثينا حق الكلام? دع عنك حق التصويت? لأنهم كانوا عبيدا?ٍ ليس الا.
في شرحه لتكوين الدول يقول نزيه نصيف الايوبي: (( ان الدولة تقوم باستقطاب المتعلمين والخبراء للعمل في اجهزتها المختلفة كنخب متميزة? لكن هذه النخب تتحول …الى ما يشبه الطبقة الحاكمة التي تسيطر على مراكز اتخاذ القرار …)) ( راجع العرب ومشكلة الدولة? دار الساقي? 1992.) ولا ديمقراطية بدون الدولة التي تطبقها.
هناك المثل البريطاني المشهور : (( لاضريبة بدون التمثيل.)) اي ان دافعي الضرائب يلحون على ان يكون لهم حق التمثيل في الحكومة او البرلمان لكي يسيطروا (( على مراكز اتخاذ القرار.)) وفي البلدان الرأسمالية تجمع الدولة غالبية ضرائبها من الشركات العملاقة التي تسيطر على خيرات البلدان الاخرى وتنقل ثرواتها? كالنفط ? وتبيعها في مختلف انحاء العالم وتجمع البلايين من الارباح. تقدم الشركات قسما?ٍ من هذه الارباح الى حكوماتها لكي تقوم الحكومة بمساعدتها في الاكثار من ارباحها. وفي احيان عديدة تضطر الدولة القيام بالحروب لقهر الشعوب الضعيفة التي ترفض الشركات الراسمالية الاجنبية.
ففي بريطانيا ? مثلا?ٍ? تدفع الشركة العملاقة 23% من كافة ارباحها السنوية كضريبة للحكومة ? كما تدفع حصتها السنوية كضمان اجتماعي لعمالها ومستخدميها وانها ملزمة ان تدفع حصتها السنوية من نفقاتهم التقاعدية . ثم انها تنقذ هؤلاء من البطالة وهم بدورهم يدفعون الضرائب للحكومة. هناك قائمة طويلة من فوائد الشركات للدولة لا داعي لذكر كلها هنا . للتفاصيل (راجع كمال مجيد? العولمة والدولة?2002? دار الحكمة? لندن. )
وبطبيعة الحال يتم ترشيح كبار حملة اسهم الشركات ((من المتعلمين والخبراء )) كنواب في البرلمان ويتم اختيار مدراء الشركات كوزراء يقررون تصرفات الحكومة بصورة مباشرة. فيشير البروفسور جورج مونبيو في كتابه
(Captive State, The Corporate Takeover of Britain, Macmillan, 2000, London)
الى 43 ثريا?ٍ من الوزراء وكبار المسؤولين في حكومة توني بلير. بينهم وزير التجارة ووزير الزراعة ووزير الخزينة واللورد سايمون? رئيس شركة النفط البريطانية كوزير التجارة والمنافسة في اوروبا….الخ.
والجدير بالتشديد ان الشعب في البلد الرأسمالي لا يختار اعضاء البرلمان. كلا! يتم هذا الاختيار من قبل الاحزاب. ففي بريطانيا هناك ثلاث احزاب كبيرة في البرلمان لا فرق بينها في معاملتها تجاه الشركات العملاقة. وينال كل حزب معظم ماليته من كبار الاغنياء . وبعد اختبار وتمحيص طويلين? عبر اللجان الحزبية المختلفة? يختار الحزب? لا الشعب? مرشحيه قبل الانتخابات باشهر. وليس للناخب سوى حق القبول بأحد المرشحين. يملك معظم النواب في البرلمان البريطاني الملايين قبل ان يتم انتخابهم. ويتحول العديد من النواب الآخرين الى اغنياء بمساعدة الشركات العملاقة. من المفيد ايضا?ٍ التذكير بقيام توني بلير بمنع ترشيح عدد من اليساريين ? بل طرد النائب جورج غالوي من حزب العمال. والمراقب لجلسات البرلمان البريطاني يلاحظ ان الاعضاء يناقشون القضايا الداخلية ويتركون السياسة الخارجية والعسكرية للحكومة.
والاهم من كل ماورد هو ان لرئيس الوزراء الحق ان يدخل في الحرب بصورة غير شرعية دون اشراك البرلمان في اخذ القرار. وهذا ما حدث حين بعث توني بلير بجيشه الى سيراليون والى كوسوفو دون اخذ موافقة البرلمان ولا حتى تنفيذا?ٍ لأي قرار من مجلس الامن. وفي الحالات النادرة التي يختارالرئيس مناقشة حرب ما في البرلمان? كما حدث قبل احتلال العراق في 2003? يقف معظم نواب العمال والمحافظين الى جانب رئيس الوزراء. والسبب هو ان الاغلبية الساحقة من النواب يؤمنون بأن قهر الشعوب التابعة واستعمارها وسيلة ناجعة لثراء بريطانيا. تشير الادلة المدونه ادناه الى أن هناك ارتباط وثيق بين الديمقراطية والثروة. فالديمقراطية حكر للبلدان الغنية فقط.
الديمقراطية في العالم الثالث:-
على شعوبنا المقهورة ان تدرك بأن الديمقراطية الليبرالية الغربية حق خاص بالغرب. ان البلد