هل هناك من أحد ??
من منكم حي??َ اليوم?
ماتت صنعاء.
دارت بي الدنيا? ارتجفت كل حواسي..
في ذهول? في رعب? في لا شيء من العقل? تخبطت?ْ كمن تلقى ضربة على رأسه? فقط الدموع هي الحاضرة الشجاعة!
الصور التي بثتها قناة اليمن الفضائية? سم?رتني في مكاني? لم أصدق? ولم أستوعب ما رأيته? حتى إن مشاعري تجمدت? وكأنها تحجرت من هول الصدمة? تمنيت لو أني لم أرها.
مرت دقائق قليلة وكأنها العمر كله? حتى إنه لم يساو? شيئا?ٍ أمام حجم فجيعتي. بدأت الدموع تحرر نفسها من قيود صمتي ووجلي? أطلقتها لعلي أتحرر أنا الأخرى من هذا الإحساس المفرط بالوجع المخنوق في صدري.
لا أدري لم?ِ صنعاء تحديدا?ٍ اتشحت بالسواد أمامي لحظتها? ربما لأني أعيش فيها? وربما لأنها رمز اليمن? وربما لأن الجريمة وقعت في قلبها!
هل أكتب لأنتزع الغصة التي تتخبط داخلي!
لمن سأكتب?
الناس كلهم ماتوا? الصحف توقفت? والمواقع انتهت صلاحيتها? ثم إني ميتة مثلهم!
كل أولئك الشهداء سيدخلون الجنة? هذا وعد الرحمن? ومن أصدق منه قيلا..
لكن ما هو مصيرنا نحن? الميتين بغير شهادة وفاة?
تصاريح الدفن لن ت?ْمنح لنا? لأننا لا نزال نتنفس? مهما حاولنا إقناعهم? سيصرون على عدم منحنا إياها? سنبقى إذن مستمرين في حركتنا اليومية المعتادة? بلا حياة? فالحياة أصبحت عبئا?ٍ ثقيلا?ٍ علينا? بعد ما شاهدناه من قتل فاجر للأبرياء? وبدم ?ُبارد?ُ سمج مقيت!
بأي ذنب أ?ْخذوا?
بأية جريرة روعوا?
ما أقساها تلك اللحظات الأخيرة من حياتهم? وما أقساها بقية لحظاتنا نحن في الحياة!
انهرت أمام مشهد الأب الذي يحاول تهدئة طفلته? من ذلك الروع المفزع? ضمها إلى صدره بارتباك? لتصبح تلك لحظتهما الأخيرة معا?ٍ.
أما تلك الطبيبة المجيدة سمية? التي سطرت أبلغ صور الإيثار والإخلاص للمهنة والواجب? فقد لقنتنا درسا?ٍ لن ننساه? إذ تتوقف وهي تحاول النجاة بنفسها? لتساعد أحد الضحايا? فيتم قنصهما معا?ٍ.
وصديقتي العزيزة? جميلة? الطبيبة المفعمة بالحياة? المسكونة بحب الوطن والواجب? الجر?احة المبدعة? تموت وأدوات الجراحة في يديها? متمسكة بحبها الأثير للجراحة حتى آخر لحظة.
(أفتقدك أيتها الجميلة? أيما افتقاد).
ومع هذين النموذجين المشرفين للمرأة? المبدعتين في حياتهما وفي مماتهما? يصدمنا اللواء أحمد علي الأشول? رئيس هيئة الأركان العامة? برفضه دفنهما في مقبرة الشهداء? لست أدري ما هي حيثيات الرفض تلك? هل هو منع للاختلاط مثلا?ٍ? أم أنه تحقير?َ للمرأة?
بهذه العقلية ت?ْقاد البلاد? وي?ْقاد أمنها وجيشها!
لكن رجلا?ٍ كتوفيق البحم? والد الطبيبة جميلة? يأبى ذلك? ويصر على دفن ابنته في مقبرة الشهداء.
ترى هل ستم?ْر الأيام وننسى ما حدث?
أم أن فاجعة أخرى أكبر ستجبرنا على نسيان ما قبلها?
لا أعتقد أننا سننسى ما حدث? لأنه كما انتزع منهم أرواحهم? انتزع منا الأمان.. الرعب سيسيطر علينا أكثر فأكثر? والخوف المستوطن قلوبنا سي?ْكبلنا أكثر وأكثر..
سيقودنا الخوف قسرا?ٍ إلى الجنون.
مات الوطن كله? اغتيل هكذا بكل دم بارد.
وعندما تموت الأوطان? لا يعود للحياة مكان…