التعويض والإحيائية في ديوان ” أساور البنفسج ” للشاعرة سميرة عبيد
لعل مما يثير الإعجاب في ديوان ” أساور البنفسج ” لـــ سميرة عبيد هو قدرة الشاعرة على مخاطبة الطبيعة واستخدام “البنفسج ” كمعادل موضوعي للإنسان وللحياة وللوطن وللحبيب وتكتشف ذلك من أول وهلة تسمع عن الديوان فالعنوان الذي هو أول عتبات الولوج إلى النص يخبرك بأن البنفسج ذلك الورد الجميل له أساور ثم وهو موضوع القراءة ” التعويض ” Compensation ” والذي يلخص الحالة النفسية للشاعرة ويعني التعويض إحلال شيء من الطبيعة أو أحد ممالك الوجود الثلاث محل بني جنس الإنسان أو جزء منهم ? ومخاطبة الطبيعة أو تذكير أحدها يندمج فيه ثلاثة مفاهيم ودلالات أولها استخدام هذا الموجود كمعادل موضوعي ثم التعويض به وأخيرا?ٍ بعث الروح فيه وهو ما تميز به شعراء المهجر من الرومانتيكيين وسمي فيما بعد ب” الإحيائية ” وعندما نتحدث عن أحد هذه الثلاث من المفاهيم في ديوان سميرة فنحن نتحدث بالضرورة وتتداعى لنا الثلاث مندمجة ومترابطة ..
يبدأ ذكر البنفسج في ديوان ” أساور البنفسج ” بالإهداء لوالد الشاعرة الذي لون أحلامها بالبنفسج ? ثم نجده في قصيدة الشارقة زهرة الدنيا ” :
” يا شارقة الحلم الغائم في قلوب ساكنيها / هاتي يديك? واحتويني / فقد أصبحت في راحة يديك? بنفسجة مسافرة ” (ص21).
وأيضا في ذات القصيدة ” يا شارقة الحلم البنفسجي / يامن ترجين في القلب مراكب الحب المسافرة / منذ خلق عطر بنفسجي بحي ” ميسلون ” (ص 24)
وفي قصيدة “نبوءة أندلسية (ص27) تذكر الشاعرة :
ياصغيرتي / سينمو جنين الدهشة في رحم الأمنيات / سيقتل شبق الظنون ويبدد عيون السراب / سيهديك? الزمن زهر البنفسج …(ص 29).”
ثم قصيدة سحر البنفسج ص 47 )تخاطب الشاعرة البنفسجة وتناديها أن تأخذها إليها فتبعث فيها الروح وتخاطبها وتناجيها مناجاة الحيارى ? ثم نجد قصيدة ” لوعة البنفسج (ص 65) لكنها هنا تتماهى في زهرة البنفسج وتصبح معادلة موضوعية للذات ” الشاعر / البنفسجة ” ? كما نجد في قصيدة ” سفن البنفسج ” و” أساور البنفسج ” معادلا موضوعيا للجمال المخيف …!!?
من علماء الجمال عمانوئيل كانط صنف طبقات الجمال ومراحله جانحا?ٍ بالنفسي مجنح الرياضي ” الحلو ? الحسن ? الجميل ? الجليل ” الأول يلذ والثاني يبهج والثالث يسر والأخير مخيف …
كيف يصبح الجميل مخيفا?ٍ ?
يقول جوته : ” ربما إستطعنا أن نتحمل الجمال الذي يرعبنا بسموه وأبعاده ..”
عندما نتأمل الجميل نفرح له ونتمنى إمتلاكه لكنه عندما يكون كثيفا متعددا متنوعا فإنه يشعرنا بالفوات والعجز عن اللحاق به فنأسى لأن الزمن الذي هو عنوان الفناء سيمحو الفرصة التي نعاود بها الجمال الجليل ونشعر أن بيننا وبينه هو?ة الموت فنرتعد فرقا?ٍ …
· التعويض في ” أساور البنفسج ”
التعويض تفرضه العادات والتقاليد والبيئة والثقافة والظروف المحيطة عموما?ٍ بلا استثناء? ولذلك فإن هذا الشذوذ هو بمعنى الاختلاف والخروج عن القاعدة المتمثلة في العشيرة أو القبيلة أو المجتمع وكذلك في الفكر والفن ? ولكن ما حيلة الشاعرة والأيبة في المجتمعات الذكورية ??!!
إن التعويض هو تميز عن الآخرين والتعويض هنا قد يكون في سياق العلاقات الاجتماعية? مثال ذلك الشنفرى وهو الشاعر الصعلوك صاحب لامية العرب والذي استعاض بحياة البراري والصحراء والعيش مع الحيوانات التي وجد الأمن وأحس بالأ?ْنس معها ففضلها على قومه? وعشيرته? لقاء ظلمهم وساديتهم? وشأنه في ذلك شأن بقية الشعراء الصعاليك الذين كان يتزعمهم عروة بن الورد? يقول الشنفرى :
” ولي دونكم أهلون سيد?َ عمل?س?َ / وأرقط زهلول?َ وعرفاء جيأل?ْ
هم الأهل لا مستودع السر ذائع?َ لديهم / ولا الجاني بما جر? ي?ْخذل?ْ )
• وهاهو أيضا?ٍ يضرب لنا أروع وأنبل المشاعر الإنسانية وهو يوصي أم عامر أنثى الضبع حين قال :
” لا تقبروني إن قبري م?ْحرم?َ عليكم / ولكن أبشري أم عامر?
إذا أحتملوا رأسي وفي الرأس أكثري / وغودر عند الملتقى أم سائري ”
ومن النماذج أيضا?ٍ الأحمر السعدي أو الأحيمر السعدي أحد ق?ْط?اع الط?ْرق في العصر الأموي وكان لصا?ٍ فاتكا?ٍ? يقول :
” عوى الذئب?ْ فاستأنست?ْ بالذئب? إذ عوى / وصو?ت إنسان?َ فكدت?ْ أطير?ْ”
– نجد أيضا وفي مواضع أخرى في ديوان ” أساور البنفسج ” بعث الروح في البنفسج وتذكيره وإحلاله محل الحبيب كبديل أيضا يفرضه الحصار في المجتمع الذكوري والمعنى يتضح من خلال السياق وأيضا?ٍ تبعا?ٍ لمقتضى الحال فها هو المتنبي يؤنث القوة ويعوض بها عن المرأة? ومثله ابن الرومي الذي يؤنث الطبيعة? والنواسي الذي يؤنث الخمرة? وجبران خليل جبران الذي يستعيض بالعوالم الافتراضية والشخصيات الأنثوية مثل سلمى وغيرها ? مما نجده في ثنايا مؤلفاته? كانت كلها تعويضية افتراضية لا وجود لها إلا في عالمه المثالي والافتراضي الذي صنعه?ْ بمخيلته? وثقافته? وإنسانيته الراقية? وتعبيرا?ٍ عن حزنه? وغربته? النفسية والمكانية أو”المكانفسية ” التي كانت ترافقه?ْ أينما ذهب? كذلك قد يكون