سوريا.. حربان قائمتان وحرب مؤجلة
منذ أكثر من عامين والحرب على سورية مسعرة على مدى الساعة واللحظة. حرب تدميرية يشنها نظام فاش يستخدم فيها الدبابات والطائرات ومختلف أنواع الأسلحة على قرى وأحياء ومدن عزلاء لا حول لها ولا قوة. كل جريرتها أنها تتظاهر وتحتج سلميا?ٍ ضد طغيان الحكم وفساده.
في الجانب الآخر جيش منشق ومرتزقة يدعون النصرة وافدين مستأجرين آتين من مناطق وشعوب عديدة ممولين من دول النفط. ومن تركيا عضو الناتو وصديقة إسرائيل وبرعاية أمريكية تشن هي الأخرى حربا?ٍ بشعة وكريهة ضد المدنيين الآمنين وتدمر الكنائس وتهجر السكان وتفرض نظاما?ٍ قروسطيا?ٍ على سوريا.
ترافد الطرفان المتحاربان. النظام تحت غطاء الشرعية يهدم المدن التاريخية ويقتل كل يوم العشرات وحتى المئات? ويكون رد النصرة مزيدا?ٍ من تقتيل المدنيين وتشريدهم وإثارة النعرات الطائفية والثارات البدوية. يعطي كل طرف المبرر للآخر للإيغال في التخريب والتقتيل والتهجير. تتحدث وكالات الأنباء والمنظمات الحقوقية قبل أسابيع عن قتل ما يزيد على مائة وعشرين ألفا. وما يتجاوز المليوني مشرد إلى الخارج وثلاثة ملايين في الداخل –اي ما يقرب من خمس السكان.
ظل السوريون يحتجون سلما?ٍ على فظاعات الحكم. وامتدت الاحتجاجات إلى غالبية قرى وأرياف ومدن سوريا. وكان رد الحكم مزيدا?ٍ من التقتيل والتدمير والمحاصرة والاجتياح وتشريد السكان يجبر الجوار التركي والحكم العربي النفطي المتربص بسوريا وشعبها لتشن حرب أخرى في حقيقتها ضد الشعب السوري? فالاحتجاج السلمي هو الخيار الذي عبرت عنه إرادة مختلف فئات وشرائح سوريا? ولكن عسكرة الثورة وجرها إلى الحرب الكريهة كانت الجريمة المكملة لجريمة حرب الحكم. جريمة حرب تركيا ودول النفط تقوي وتترافد مع جريمة حرب الحكم ضد الشعب. وكل منهما يستخدم حرب الآخر ذريعة ومبررا?ٍ لحربه الإجرامية وكلاهما حرب الحكم والجوار يستخدم تعلة وذريعة للحرب الاستعمارية الأمريكية والصهيونية “المؤجلة” والنفطية المجاهرة والأكثر حماسا?ٍ وتغذية لنار الحرب المسعرة.
فالحرب آتية لا محالة. لكن التباطؤ وحالة المد والجزر هو لحشد تحالف دولي أوسع. ولخلق قابلية في الداخل الأمريكي القائد الفعلي للحرب.
دول الخليج بزعامة السعودية أعطت شيكا?ٍ على بياض لتمويل تدمير سوريا الكيان والإنسان والحضارة. ولا يدري حتى مهندسو الحرب المدى الزمني لنهايتها ولا كلفتها. ولا وقودها كما كان العدوان الثلاثيني خرابا?ٍ على العراق والأمة كلها فإن الحرب على سوريا سوف تلحق أفدح المخاطر والدمار بالأمة من الماء إلى الماء.
لا يستطيع الحكم الفاشي التبرير لجريمته ضد الإنسانية. ولا لجرائم حربه ضد محتجين مسالمين يطالبون برحيل النظام لعدة أشهر.
كما لا تستطيع دول الخليج والسعودية وعلى رأسها التبرير لتجنيد وتجييش المرتزقة من شعوب عديدة لإشعال الحرب ضد الشعب لإنقاذه من الموت بالموت. بل ولرفع وتيرة التقتيل والتدمير ثم تجيء الكارثة الكبرى “الخالقة” وهي العدوان الخارجي “الامبريالي الصهيوني” الأمريكي- الإسرائيلي ليدمر الكيان والشعب السوري.
وعدت أمريكا بتحويل العراق إلى أنموذج للديمقراطية. وللنظام الشرق أوسطي الجديد خلال زمن قياسي ولكنها دمرته وأسلمته لإيران وللعنف والإرهاب والتصارع الطائفي والقبائلي الذي أعاد العراق إلى مكوناته الأولى.
الإسلام السياسي بألوان طيفه لم يتأخر عن معركة تخريب سوريا وتقتيل وتشريد أبنائها. فالجهاد الممول من البترودولار تجارة لن تبور في التبرير للتدخل الأجنبي بالاستنجاد به أو استدعائه جريمة? فالحرب على الوطن دائما?ٍ وأبدا?ٍ يدمر الوحدة الوطنية? ويضعف إرادة المقاومة. فالفساد والاستبداد والحرب وفروا ذرائع التدخل وخلقوا قابلية “للاستعمار”. وسهلوا مهمة المستعمرين.
المتحاربون الأشاوس “المستعمر الداخلي” والجوار التركي وأباطرة النفط والامبريالية والصهيونية وأداتهم إسرائيل كلهم وهم يتحاربون يحققون أو يتوخون هدفا?ٍ مشتركا?ٍ هو القضاء على خطر الربيع العربي? ولكل منهم أهدافه الخاصة وليس من بينها إنقاذ سوريا أو خلاص شعبها? أو الانتصار لحقوق الإنسان وحماية الدم السوري الوالغون فيه جميعهم.
تدمير سوريا وقتل شعبها وتدمير مدنها هدف رئيس لأطراف الحرب كلهم وهو هدف قائم. والتدخل الأمريكي أو الضربة الأمريكية مؤجلة فقط لترتيب أوضاع ما بعد إسقاط النظام. والقضية أولا?ٍ وأخيرا?ٍ متعلقة بأمن إسرائيل ووضع المنطقة عموما?ٍ.
فاختلال الأمن في الجوار الإسرائيلي وسلامة تدفق النفط هما القضيتان المهمتان وهما أولويتان في السياسة الأمريكية والأوروبية.
السلفيون الجهاديون ضدا?ٍ على أوطانهم والذين يسفكون الدماء دفاعا?ٍ عن “الشرف” بمفهومه الجاهلي قد أسقطوا ورقة التوت عن عورة “الشرف العشائري” فأباحوا ودعوا إلى جهاد النكاح ولن يعدموا الاستجابة لفجورهم.
في السودان تبنى الترابي ومعه الجبهة القومية الإسلامية شعار “وحدة العقيدة أهم من وحدة التراب”. وكانت النتيجة ضن سياسا