صحيفة لبنانية: اليمن السعيد في مهب? التفكك
لم يعد أهل الجنوب اليمني يحملون ودا?ٍ كثيرا?ٍ لفكرة الوحدة التي أد?ت إلى تبخ?ر وطنهم الاشتراكي واختلاطه مع شمال القبائل الم?ْسل?حة? فعندما يفتح أحد الجنوبيين الحديث عن جنوب اليمن ما قبل 1990 تسمعه كما لو أنه يروي عن تفاصيل بلاد أسطورية كانت محاطة ومحروسة بالقانون وبعدالة اجتماعية تضع جميع مواطنيها في سل?ة واحدة? بلاد من دون شيوخ قبائل لا يعرفون قانونا?ٍ ولا دستورا?ٍ. هي حالة من استعادة ماض?ُ يقوم بمساعدة الناس في المدن الجنوبية? والذين عاشوا نعيم تلك الأيام الاشتراكية? على احتمال قسوة الحياة التي أصبحوا فيها. من فرط هذه الحالة? صار ملاحظا?ٍ أمر انتقالها إلى جيل جديد لم يعش تلك الأيام الخضراء? فهو مولود في زمن الوحدة اليمنية
تجد الشاب اليمني الجنوبي يحكي بحماسة وشغف عن «تلك الدولة اليسارية التي لم يكن ي?ْظل?ِم فيها أحد»? في إشارة الى اليمن الجنوبي قبل الوحدة عام 1990. حين يأتي من يقول للشاب بأنه لم يكن في تلك الأيام كي يحكي عنها? يعتبر الأمر هجوما?ٍ باغته من جهة عدو متعاون مع سلطة الشمال التابعة لنظام علي عبد الله صالح المخلوع.
ي?ْقال له إن هذا الرئيس قد صار في الأرشيف والتاريخ ولم يعد رئيسا?ٍ? فيجيب الشاب الجنوبي بأن الرئيس قد رحل لكن نظامه لا يزال على قيد الحياة.
انطلقت حالة اللجوء إلى سرد فضائل تاريخ الجنوب المدني بداية من ظهور نتائج الغزوات التي فعلها نطام صالح بعد حرب صيف 1994 واحتلال الجنوب.
تمددت نوازع الاستيلاء عند رجال الشمال ووصلت إلى كل شيء جنوبي من أرض وشجر وثروات طبيعية? تنامي حالات إقصاء الناس من وظائفهم? وترحيلهم إلى التقاعد المبكر? وبيع أملاك تابعة للقطاع العام عبر عمليات كانت ترسو بالطبع لمصلحة تابعين لرأس السلطة الشمالية. كان لكل هذا أن يدفع الناس الى رفع أصواتهم? الخروج في مسيرات احتجاجية? وتكوين جمعية المتقاعدين قسريا?ٍ من وظائفهم? ونشوء الحراك الجنوبي السلمي? وتحو?له مع الوقت في بعض فصائله إلى حراك مسل?ح? ثم اندلاع ثورة الشباب السلمية «الربيع اليمني» وانضمام أهل الجنوب إليه وإسقاط الرئيس صالح.
هنا لم يعد الأمر يحتمل الشكوى واستعادة السيرة القديمة التي تحكي عن الجنوب الأنيق. لقد صار الوقت والظرف صالحين لفعل انتقالة أخرى جديدة لها أن تقفز من سيرة الحكي إلى أمر الفعل وإعادة دولة الجنوب المدنية والعدالة الاجتماعية إلى أرض الواقع.
يقول صالح أحمد «جاء مؤتمر الحوار الوطني _ الذي وصل الآن إلى مراحل مفصلية في برنامجه _ كي يكون مساحة لتحقيق أحلام الجنوبيين في استعادة شكل دولتهم الماضية بأي شكل كان»? مؤكدا?ٍ في حديثه مع «الأخبار» أن كل السبل صارت متاحة لتحقيق هذا الأمر.
صالح? ناشط حقوقي من مدينة عدن? تم فصله من وظيفته بسبب نشاطه الإعلامي من خلال كتابات كان ينتقد فيها ممارسة سلطة صالح? لا يختلف كثيرا?ٍ عن ناشطين حقوقيين وأكاديميين وإعلاميين جنوبيين صار موضوع «القضية الجنوبية» محور أحاديثهم اليومية وعمود النقاشات التي تتم في ما بينهم.
تلك «القضية الجنوبية» صارت الملف الأكثر متابعة وحساسي?ة من قبل أهل الجنوب في مؤتمر الحوار الوطني الذي تم? إقراره في بنود المبادرة الخليجية التي أنهت حكم الرئيس صالح.
على الرغم من اقتراب هذا المؤتمر من اختتام أعماله وإنهاء معظم الملفات التي ط?ْرحت على طاولته خلال الأشهر الماضية? لكن يبدو أن ملف القضية الجنوبية كأنه الشعرة التي ستقصم ظهره الم?ْتعب أصلا?ٍ. فحزب المؤتمر الشعبي العام? الذي كان حاكما?ٍ للبلاد بمفرده? قد?م في الورقة التي حملت رؤيته لشكل الدولة المستقبلية لليمن? مشيرا?ٍ إلى ضرورة قيام دولة اتحادية من عد?ة أقاليم «على أن تكون صنعاء هي الطرف المشرف على ثروات الأقاليم الطبيعية وتتولى إعادة توزيعها بحسب الدستور والقانون». وهي نظرة تكاد أن تتطابق مع رؤية حزب التجمع الديني للإصلاح (إخوان اليمن).
في الوقت نفسه? قد?مت جماعة الحوثي المشاركة في مؤتمر الحوار بفريق «أنصار الله» رؤية تقول بأن يكون اليمن الجديد على شكل «دولة اتحادية فيدرالية بحيث تكون اتفاقا?ٍ حقيقيا?ٍ على شكل الوحدة».
من جهته? عرض الحزب الاشتراكي? الذي كان حاكما?ٍ منفردا?ٍ للجنوب? اقتراحا?ٍ يشير إلى صورة يمن بكيان سياسي واحد في دولة اتحادية «تضمن أن يبقى الجنوب متماسكا?ٍ واليمن موحدا?ٍ في شكل جديد».
وهو الشكل الذي تحدث عنه الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي يحيى أبو أصبع لـ«الأخبار»? مشيرا?ٍ إلى «أن عملية تصحيح المسار التاريخي للوحدة اليمنية وحماية مكتسباتها إنما تتأسس على قيام الدولة المدنية الاتحادية».
هذا الطرح يتقارب مع ما ذهب إليه الاختصاصي في البرامج السياسية عبد الغني الإرياني? الذي قال «إن النموذج اللامركزي هو الغالب في تاريخ اليمن? وإن التوجه نحو الدولة اللامركزية مرتبط بالتجربة التاريخية وبالهويات المحلية التي لم يعد بالإمكان إنكارها وقمعها بعد الانتفاضة الشعبية».
لكن