نداء عاجل للتيار الإسلامى
ما حدث في مصر لا يمكن أن يوصف بأنه انقلاب عسكري? صحيح أن الإجراءات التي تمت بعزل الدكتور محمد مرسي خشنة وقاسية وخلفت مرارات لا بد من احترام مشاعرها لدى كثير من الإسلاميين? ولكن المشهد الذي رآه العالم كله يؤكد أن تلك كانت إرادة شعبية صدقت عليها القوات المسلحة? فبيان خارطة المستقبل التي أعلنها الفريق السيسي حضرها وباركها ووافق عليها كاملة بعد حوار طويل? مؤسسة القضاء المصري والمحكمة الدستورية العليا والأزهر والكنيسة والأحزاب المدنية وأحزاب إسلامية وممثلون لشباب نجحوا في أن ينزلوا بملايين المصريين للشوارع? يمكنك أن تختلف مع ما جرى سياسي?ٍا? ولكن لا يعقل وصف هذا المشهد بأنه انقلاب عسكري? ومن ينظر إلى مشهد بيان الجيش يعتصره الألم من النتائج الكارثية لسياسات فاشلة وإقصائية وعدوانية وجاهلة? لطالما حذرنا منها هنا ونبهنا إلى خطورتها وغياب العقل السياسي عنها? ألم يكن الأولى بالرئيس مرسي أن يكون هو الحاضن لهذا المشهد وليس الجيش? ألم يكن الأجدر به أن يكون سنده وحصنه وظهره هم هؤلاء القوى المجتمعية والدينية والقضائية والسياسية التي حضرت المشهد? هل كان من العقل أو الحكمة أو المنطق أن يخسر كل هؤلاء حتى يروا في النهاية أنه لا مخرج ولا إنقاذ للوطن إلا بإبعاده وجماعته عن قيادة المشهد السياسي? الإخوان الآن يحصدون نتائج مسار الفشل والاستعلاء والملاوعة والأخطاء الكارثية ضد الجميع? ضد القضاء والإعلام والأزهر والكنيسة والجيش والشرطة والإسلاميين المخالفين لهم والأحزاب المدنية والمثقفين والصحفيين? عندما نظرت إلى الفرحة الجنونية والطاغية التي علت وجوه الملايين من المصريين يوم إعلان بيان الجيش بعزل مرسي شعرت بمرارة شديدة تجاه أول تجربة إسلامية في الحكم? هذه الفرحة التي وصلت إلى حد الهستيريا لم أرها أبد?ٍا إلا يوم إعلان تنحي مبارك? كنت أسأل نفسي بذهول: كيف استطاع الإخوان أن يصنعوا كل هذه الكراهية خلال عام واحد فقط من ممارسة السلطة? وهم الذين كانوا يحظون بعطف واحترام نفس هذه الملايين قبل ذلك. أنا لا أكتب هذا الكلام تأنيب?ٍا أو حتى مراجعة? فليس هذا وقته? ولا أستبيحه لنفسي عند سقوطهم? ولكني مضطر إلى إرسال تلك الإشارات القصيرة إلى جماعة الإخوان لكي يتوقفوا عن محاولات جر التيار الإسلامي كله إلى محرقة جديدة لم يكونوا طرف?ٍا فيها ولم يصنعوا أسبابها? الذي حدث في مصر أن “الإخوان” خسروا منصب رئيس الجمهورية? وتفككت على إثر ذلك امبراطورية إخوانية صغيرة صنعوها لحسابهم وحدهم في كثير من مؤسسات الدولة ووظائفها العليا? فالحصاد السياسي الوحيد المنظور والعملي والمنجز على أرض الواقع خلال عام هو تمكين كوادر الإخوان من وظائف ضخمة في الوزارات والمحافظين ومؤسسة الرئاسة ومؤسسات اقتصادية وسياسية وتشريعية ودبلوماسية مختلفة? وبالتالي فالتيار الإسلامي لم يخسر ـ في الحقيقة ـ شيئ?ٍا جوهري?ٍا? سوى بعض ما علق به من سوءات التجربة الإخوانية? فالخسارة الكارثية هي للإخوان فقط? وكانت نتيجة لسياساتهم هم فقط? فلا السلفيون كانوا يشاركون في القرار الفعلي للدولة ولا الجماعة الإسلامية التي تعاملت بنبل وشهامة معهم كانت تشارك في صنع قرار ذي بال? وأما بقية الأحزاب الإسلامية الصغيرة فكانوا أشبه بالأولتراس الذين يشجعون من المدرجات في ملاعب الكرة? وبالتالي على الإخوان أن يتحملوا ـ وحدهم? نتائج سياساتهم الفاشلة وتجربتهم الإقصائية للجميع? ولا يليق ـ دين?ٍا وخلق?ٍا ووطنية ـ أن يحاولوا جر التيار الإسلامي كله? لكي يدفع فاتورة هذه الأخطاء والنتائج التي تمخضت عنها ويهددوا مستقبل جميع الإسلاميين السياسي بالضياع. أقسم بالله? أني لا أقول هذا الكلام تشفي?ٍا ولا حتى تأنيب?ٍ?ِا? ولكن إنقاذ?ٍا للتيار الإسلامي من لعبة احترافية يحسنها الإخوان دائم?ٍا? عندما يكونون في أزمة أو مزنق? وهناك ماكينة أكاذيب إخوانية تعمل بشكل بشع خلال الأيام الماضية تهيج بعض الإسلاميين وترسل رسائل كاذبة للخارج أيض?ٍا? وبعض تلك الأكاذيب يصل إلى حد العمل على حرق الدولة ومؤسساتها لمجرد تحقيق مصلحة سياسية خاصة بهم? على النحو الذي فعلوه في الكلام المشين والكاذب عن انقسام في الجيش? ثم لا يعتذرون ولا يستحون عندما يخرج الأطراف المنسوبة إليهم تلك الأكاذيب لكي يعلنوا كذب ما رددوه? وكلام المساطيل عن ديانة رئيس المحكمة الدستورية? فعلى التيار الإسلامي أن يتعامل بعقلانية سياسية وحكمة وبعد نظر مع نداءات القوات المسلحة المتكررة له بالتعاون لإنجاز المرحلة الانتقالية? وبناء البلد من جديد? وعليه أن يثق في أن خارطة المستقبل ضمنتها مؤسسات عريقة وراسخة ـ منها القضاء والمحكمة الدستورية ـ يستحيل أن يتلاعب بها أحد? وعليه أن يثق أيض?ٍا بأنه هو فارس تلك المرحلة الجديدة الأول? والمستقبل واعد جد?ٍا له وأفضل كثير?ٍا مما سبق? بعد دروس التجربة? وأنا على يقين أن الإسلاميين سيكونون شركاء في أي نظام حكم مقبل إن لم يكونوا قادته? ولن يمر أي استحقاق دستوري أو برلماني أو رئاسي?