«إخوان» اليمن أكلوا الثورة
هل يكون مصير الإخوان المسلمين في اليمن مشابها?ٍ لأقرانهم في مصر? هل يخرج الناس إلى الشوارع مطالبين بتحييدهم عن العمل السياسي والاكتفاء بالخطابة في أماكن العبادة والدعوة الدينية? كيف استطاعوا الظهور في مقدمة الناس الذين خرجوا أولا?ٍ إلى الشوارع بهدف إسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح? بعد أن كانوا حلفاء مخلصين له? هل يمكن القول? مباشرة? إن الإخوان في اليمن قد وصلوا إلى السلطة بعد ثورة الشباب السلمية? أم أنهم ولو بشكل غير م?ْعل?ِن كانوا مشاركين منذ زمن في السلطة وإدارة البلاد طوال فترة الحكم السابق? بل منذ مشاركتهم القوية في حرب احتلال الجنوب عام 1994 التي انتهت بعودة اليمن إلى صالح والإسلاميين?
أتوا إلى الساحة متأخرين? لكن الثورة صارت في جيبهم. الإخوان المسلمون في اليمن أو قبيلة حزب التجمع اليمني للإصلاح برئاسة محمد عبد الله اليدومي (الصورة)? يظهرون اليوم كرابح أكبر مكو?ن من مجموع قيادات قبلية ودينية وعقائدية ورجال قضوا مرحلة كبيرة من شبابهم مجاهدين في أفغانستان. ومنهم لديهم رؤوس أموال ضخمة. هم اليوم يقفون في الصف الأول من الدولة اليمنية ما بعد حكم علي عبد الله صالح.
منهجهم فقه الضرورة? حيثما كانت المصلحة يراهم الناس? لا يكسرون أي أمر يأتيهم من طرف النظام السعودي? ولا يرفضون أي مال يهبط عليهم من قطر? فيما لا تتردد القيادية في ذلك الحزب الإسلامي توكل كرمان? الحائزة جائزة نوبل للسلام? في إعلان أن «سقوط بشار الأسد ضرورة إنسانية وواجب وطني وقومي»? ما دام هذا القول سيكون م?ْرح?ِ?با?ٍ به لدى السعودية وقطر.
حتى إنهم لا يترددون في إعلان موقفهم المساند لقوى «الجيش الحر» والجماعات الجهادية الأصولية التابعة له ضد نظام الأسد وتماشيا?ٍ مع توجه المملكة وقطر. حتى إنهم يرسلون أعدادا?ٍ كبيرة من كوادرهم الشاب?ة المدر?بة من طريق تركيا? للجهاد في أرض الشام.
وبناء?ٍ عليه? يبدو أن الشوط الأول من ثورات «الربيع العربي» انتهى وصار الحكم في ثلاث دول عربية على الأقل في جيب الجماعات الإسلامية.
وصلت من طريق الصندوق إلى الكرسي الأول? في تونس ومصر وبشكل مختلف في اليمن? حيث احتل الإخوان هناك مساحة كبيرة من السلطة والحكم من طريق ما أنتجته المبادرة الخليجية التي أبعدت علي عبد الله صالح? عن رئاسة البلاد وأتت بالجنوبي عبد ربه منصور هادي? مكانه. وإلى هذا? ش?ْك??ل?ِت حكومة توافقية انتقالية مكو?ِ?نة من مختلف الأحزاب السياسية? ومنها «الإصلاحيون»? أي التجمع الوطني للإصلاح الذي تأسس بعد الوحدة بين شطري اليمن عام 1990 على يد الراحل عبد الله بن حسين الأحمر? شيخ قبائل حاشد.
حالة مختلفة
يبدو أن الإخوان في اليمن لا يشبهون حالة الإخوان في تونس أو الإخوان في مصر? الذين قضوا حياتهم متفرقين ما بين سجون ومعتقلات ومناف?ُ خارج أوطانهم? وبالتالي هم لم يمسكوا السلطة أبدا?ٍ. سلطة لم يتمكنوا من الالتصاق بها إلا بعد سقوط نظامي بلديهما ومن طريق الانتخاب والصندوق. وبناء?ٍ عليه? ستكون ممارسة سلطة من غير خبرة أو تجربة مسبقة.
من هنا يظهر الإخوان كما لو أنهم تلامذة يدخلون اختباراتهم المدرسية دونما استعداد? ليكتشفوا بيئة يرونها لأول مرة في حياتهم. لذلك? من المنطقي هنا أن ينتج كل هذا الخراب الذي يراكمونه يوما?ٍ إثر يوم في خزانة الحكم? وعلى وجه الخصوص في الحالة المصرية التي لم يحتمل أهلها مشاهدة كل هذا العبث الذي يفعله حكم الرئيس محمد مرسي? فقرروا الخروج إلى الشارع مع بلوغ هذا الرئيس عاما?ٍ من حكمه.
«إخوان اليمن حالة مختلفة تماما?ٍ»? يقول الباحث علي مجلي لـ«الأخبار»? مشيرا?ٍ إلى أنهم قد خبروا الحكم ومكثوا في أبرز مفاصله. «هم لم يأتوا إلى السلطة بجيوب خاوية من التجربة? أتوها محم?لين بتاريخ طويل? وخصوصا?ٍ في الجانب التعليمي والأمني (الاستخباري)? حسب قوله.
ويؤكد مجلي أنه كان في يد الإخوان? منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي? نصف النظام التعليمي في اليمن? وكان تعليما?ٍ دينيا?ٍ من طريق «معاهد علمية» ممولة كلية من قبل النظام السعودي.
أم?ا في الطرف الأمني? فكان رئيس الهيئة العليا لحزب التجمع اليمني للإصلاح محمد اليدومي? قائما?ٍ بمهمات عظيمة في جهاز الأمن الوطني (سابقا?ٍ)? في مقدمة هذه المهام مطاردة اليساريين والشيوعيين وزجهم في المعتقلات وما يجري فيها من تعذيب وإخفاء قسري.
وبهذا الكم? الكبير من الخبرة تقف قيادات الإخوان في مقدمة الصف السياسي في اليمن اليوم بقدرة كبيرة على التنظيم وتوزيع المهمات بين كوادرها بإخلاص شديد.
ويبدو هذا التنظيم واضحا?ٍ في حرص تلك القيادات على أن يكون حزبها موجودا?ٍ في تشكيل الحكومة التوافقية التي تكونت على أرضية المبادرة الخليجية? وأن يكون على رأس وزارات لها علاقة مباشرة بالمواطنيين وقريبة منهم.
وزارات المالية والداخلية والتربية والتعليم والعدل? رباعية تسمح لهم بالتمدد والات?ساع على قاعدة الجماهير من أجل كسب مساحات شعبية أخرى تمهد الطريق لهم للوصول