على الحدود.. قصص واقعية تحكي فضائع حرس الحدود السعودي ضد اليمنيين
في حرض, عندما ترفع سماعة هاتفك وتتصل بصديق أو معروف لديك تسأله عن أخباره زملائه, تتلقى إجابات مؤلمة: “البارحة فلان أصيب”, “صاحبنا الذي خزن معنا قبل أسبوع أصبح الآن في الثلاجة بالسعودية”…
في أوقات متأخرة من الليل يرن هاتفك, لأصدقاء يسكنون على مشارف الحدود, تعرف مباشرة أنه يحمل نعيا, برحيل رفيق له, يتحدث وبشكل عادي: “فلان المرة هذه حصلها.. قابلت له رصاصة ومات”.
شباب واعدون, ضاقت عليهم الأرض هنا, فقنصهم الرصاص السعودي هناك, لم يعد لديهم ما يخسرونه, ولديهم اعتقاد سائد أن من مات, لا أحد يسأل عليه, ومن ناله ذلك فهو “من عند الله”.
تحول الموت لديهم إلى قضاء وقنص سعودي. تزداد حدة القتل يوما?ٍ بعد يوم لتنال كل الداخلين. لم يعد حرس الحدود السعودي يفرقون بين مهرب أو مسافر.
سألت شبابا?ٍ يعملون في التهريب عن أسباب عملهم فيه. أجمعوا على سبب رئيسي, هو أنهم أفاقوا على أهلهم يمتهنون هذا العمل, فساروا على دربهم, هذا مسوغ الشباب الذين توارثوا مهنة التهريب وهم يدركون أن العملية خطيرة جدا, تصل إلى الموت.
بالمقابل? هناك من يقول إن هذه المغامرات لها مردود مالي كبير. أحدهم يقول: “في ساعات فقط بإمكانك الحصول على مصروف يومي يفوق راتب المدرس”.
أغلقوا كل الطرق التي تؤدي إلى التعليم, شقوا لهم طرقا إلى المنافذ الحدودية. ورغم العازل الحديدي إلا إنهم بعزيمة المهرب ابتكروا أساليب لتجاوزه وإنجاح مهمتهم. هم يدركون جيدا?ٍ مالات هذا النوع من المغامرات, وما يترتب عليه في بعض الحالات, من نهاية حياة أو موت مجاني برصاصات حرس الحدود? لكن الفاقة والبطالة تبرز كدافع يقود هؤلاء الشباب إلى التغاضي عن مالات المغامرة والخوض في مهمة عتالين, يحملون على ظهورهم ما استطاعوا من القات والتسلل به ليلا?ٍ إلى حيث ينتظرهم العميل, ليظفر من ينجو منهم في النهاية بـ300 ريال سعودي, وفي أحسن الأحوال 500 ريال.
ليست حرض وحدها من تقذف بأبنائها إلى مهمة خطرة كهذه على شريط الحدود السعودي, لقد صارت جهة ممكنة للعشرات بل المئات من الشباب العاطلين عن العمل وصغار السن الذين يتقاطرون من مختلف البلاد, بدوافع معيشية أسرية.
أطفال يتدافعون نحو حاجز الموت
أطفال صغار, لم تتجاوز أعمارهم الـ16 عاما, تراهم يوميا, حين تسوقك الأقدار لزيارة مديرية حرض شمال اليمن, يتدافعون نحز حاجز الموت, نحو المصير المجهول.
“عمر المشرقي”, أحد طلاب “مدرسة النور” في قرية “الشريفية” ترك زملاءه في الصف السادس وذهب إلى حاجز الموت, يقول مدير المدرسة, أحمد الجعداري, إن “عمر ترك زملاءه فجأة وما سمعنا إلا الطلاب يقولوا عمر قده مهرب.
حاولت الذهاب إلى والده الذي يملك مزرعة? لكن لم يستطيع والده منعه من مهنة التهريب”, وأضاف: “في عام 2008م تعرض عمر لرصاصة في ساقه عندما كان في طريقة بحملة قات في وادي أبو الرديف, واستطاع أصحابه يومها نقله إلى حرض حيث أجريت له عملية في المستشفى السعودي. ترك التهريب لمدة سنتين? اشتغل في مزرعة والده. ومع مطلع العام 2010م عاود (عمر) مهنة التهريب من جديد”, وهذه المرة لم يستمر كثيرا?ٍ? تعرض لرصاصة طائشة من قبل جنود حرس الحدود السعودي في منطقة “المزرق” استقرت في رقبته لينتهي حلم “عمر” مخلفا لأسرته جرحا?ٍ لم يندمل حتى بعد أن تم تعويضها بخمسين ألف سعودي, من قبل “إمارة جيزان” بعد أن توسط لأسرته أحد أهم مشائخ حرض وقام بإيصال الجثة إلى “الشريفية” في عملية طالما حلم بها أهالي القتلى في الشريط الحدودي. ووفقا لمدير المدرسة الذي ألتقيته, بمعية زميلي محمد مسعد دماج في زيارة لنا إلى الشريط الحدودي مؤخرا, فهنالك 19 طالبا?ٍ فيها يعملون في التهريب.
من الصعوبة أن نجد إحصائية دقيقة لعدد الضحايا فهنا لا توجد منظمة أو هيئة مختصة تتبنى القيام بذلك. كما أن الحكومة اليمنية هي الأخرى لا تتوفر لديها إحصائية بعدد قتلى مواطنيها على الشريط الحدودي!
منذ مطلع العام الجاري أحاول جاهدا?ٍ الحصول على إحصائية دقيقة حول حالات القتلى في الشريط الحدودي. اجتهدت في محاولة الإلمام بما أمكن من أسماء عدد الضحايا, واستطعت من خلال زيارات إلى عدد من المناطق, وخاصة المجاورة للحدود التابعة لمديرية حرض وبعض مديريات اشتهر شبابها بامتهان تهريب القات, كمديريات ميدي وحيران وعبس وما جاورها, أن أقف على حقائق وأرقام مذهلة, فبعض تلك المناطق لا ي?ْوجد فيها بيت إلا وفقد أحد أبنائه, بل إن بعض الأسر فقدت الاثنين والثلاثة.
مهربين يروون قصص تعذبيهم
“محمد كديش” واحد من الذين عاشوا معاناة زملائهم على الحدود السعودية اليمنية, يروي لـ”الشارع” بعضا مما علق في ذاكرته: “شخصا عملت وما زال في تهريب القات, وقد شاهدت جثة زميل لي قتله أحد حرس الحدود السعودي على الحدود (اليمنية- السعودية) وقد تم تركه 3 أيام في العراء.
ويضيف: “في منطقة الخوبة السعودية, والتي تقع على الحدود مع اليمن, وجدنا أكثر من جثة متروكة في العراء, وغالبية المصابين يت