توازنات جديدة: خروج الجيش من المعادلة السياسية في اليمن
في أكبر عملية تغيير يشهدها الجيش اليمني منذ الإطاحة بالرئيس السابق علي عبد الله صالح? أصدر الرئيس عبد ربه منصور هادي حزمة من القرارات الرئاسية? سعت إلى إصلاح أوضاع الجيش بإزالة الانقسام الحاصل فيه جر?اء الثورة? وإعادة بناء مؤسساته? ووضع الأطر الأساسية لإصلاح علاقته بالمجال السياسي وتحويله إلى مؤسسة وطنية احترافية محايدة بعيدة عن تأثير مراكز القوى وعن تجاذبات الصراع السياسي.
القرارات ت?ْخرج نظري?ٍا حتى الآن طرفي الجيش المتصارعين خلال الثورة من التوازنات القادمة? وتطوي آخر صفحات سيطرة الرئيس صالح وعائلته على المؤسسة العسكرية? وتعزز في المقابل موقع الرئيس هادي داخل النظام السياسي. ومن المتوقع أن تؤثر الأوضاع الجديدة الناتجة عن القرارات على عملية التغيير الجارية في البلد? ومؤتمر الحوار كمحطة مفصلية للتغيير? وقضايا الحوار الرئيسية.
إصلاح الجيش
لعب الجيش اليمني? في ظل حالة الانقسام والاستقطاب السياسي والاجتماعي الحاد خصوص?ٍا بين بعض الأطراف? دور الضامن الوحيد للاستقرار? والحفاظ على وحدة البلد وحماية مصالحه العليا. وقد سعت قرارات الهيكلة لإصلاح مؤسسة الجيش في ثلاثة جوانب رئيسية? كان أهمها إنهاء حالة الانقسام في الجيش الناتج عن انشقاق جزء كبير منه وانضمامه إلى الثورة الشبابية? وذلك بتفكيك منظومة الحرس الجمهوري المحسوبة على النظام السابق (تقدر بـ 33 لواء مع القوات الخاصة)? والفرقة الأولى مدرعة المحسوبة على الثورة (تقدر بـ 23 لواء) ? وتوزيع ألويتهما ضمن الهيكل التنظيمي الجديد للجيش. والجانب الثاني? إعادة البناء المؤسسي للجيش ومعالجة الاختلالات البنيوية والمؤسسية العميقة? الناتجة عن السياسات التي مارسها النظام السابق في الجيش خلال 33 سنة? وحولته من مؤسسة وطنية إلى ما يشبه الإقطاع العائلي? أداره الرئيس السابق عبر شبكة من العلاقات الشخصية والمحسوبية القائمة على الولاء العصبي العائلي والقبلي وتبادل المنافع. وكان الالتحاق بالجيش وكلياته العسكرية امتياز?ٍا تحظى قبيلة صالح والقبائل الموالية لها بالنصيب الأكبر منه. ويتم منح الترقيات والرتب العسكرية خارج معايير الأقدمية والتراتبية العسكرية? وأحيان?ٍا كهبات بغرض المراضاة وكسب الولاءات? ويتم التعيين في المناصب القيادية على أساس الولاء وليس الكفاءة. وبعد حرب صيف 1994? مارس النظام السابق سلسة من الإجراءات والسياسات زادت من هشاشته المؤسسية? كان أهمها استبعاد الآلاف من الجنود والضباط المنتمين للمحافظات الجنوبية وإحالة العديد منهم إلى تقاعد إجباري? ومنح من تبقي منهم مناصب إدارية أو استشارية ثانوية. وفي خطوة لاحقة? اتجه صالح لتسليم المناصب الحساسة في المؤسسة العسكرية والأمنية لجيل الشباب من أسرته تمهيد?ٍا لمشروع التوريث? وكان ذلك بمثابة التصدع الرئيسي في نظام صالح? إذ أثار قراره حفيظة حلفائه القدامى من ذات القبيلة? وخلق انقسام?ٍا غير معلن داخل الجيش? جاءت الثورة لتظهره وتخرجه للعلن. وهناك تقديرات تشير إلى أن لولا حدوث انقسام عميق في الحلقة الضيقة المحيطة بصالح داخل الجيش? وانضمام جزء كبير منه إلى الثورة الشبابية? لكانت الثورة الشبابية مستمرة في النضال لتحقيق أهدافها حتى اليوم.
أما الجانب الثالث الذي هدفت إليه الهيكلة? فهو إصلاح علاقة الجيش بمنظومة الحكم والسياسة? من خلال استبعاد وإضعاف مراكز النفوذ السياسية فيه? وتحويله إلى مؤسسة احترافية محايدة تخدم مصالح الدولة العليا فقط? متجردة من الولاءات الفرعية? ولا تنحاز لمصلحة أي طرف سياسي أو اجتماعي. ورغم أن قرارات الهيكلة حققت خطوة مهمة في هذا الجانب? إلا أن الواقع يشير أنها وحدها لا تكفي? وهناك حاجة ماسة لإجراءات إضافية? تحتاج إلى وقت? وقبل ذلك إرادة سياسية حقيقية ونوايا صادقة? فقد أظهرت الثورة وجود خلل في التركيبة البنيوية للجيش? وضاءلت التعدد الاجتماعي فيه كون قبيلة الرئيس صالح كانت الرافد البشري الأول له لسنوات طويلة. وضعف الوعي القيمي لمنتسبيه? وظهور الحاجة لإصلاح العقيدة القتالية? وإعادة بناء منظومة القيم واتجاهات الولاء لدى منتسبيه? بما يؤدي إلى تعزيز وظيفة الجيش كمؤسسة للدمج الاجتماعي? وإعلاء الهوية الوطنية لتكون فوق الهويات الفرعية المناطقية والحزبية والمذهبية داخل الجيش. ويحتاج ذلك إلى ترسيخ الشعور بالعدالة والمساواة لدى منتسبيه? والالتزام الصارم بالمعايير المؤسسية في منح الترقيات والتعيين في المناصب? وتفعيل أنظمة المحاسبة والمساءلة ونظام التقاضي داخل المؤسسة العسكرية لمنع الانحرافات والبت العادل في التظلمات.
توازن القوى الجديد
عدل?ِ?ت قرارات الهيكلة موازين القوى السابقة? حيث تم إبعاد اللواء علي محسن الأحمر الرجل الأقوى في الجيش اليمني من قيادة الفرقة الأولى مدرعة? وتعيينه مستشار?ٍا لرئيس الجمهورية لشؤون الدفاع والأمن? واستبعاد قيادات عسكرية أخرى محسوبة على الثورة? وإن ظل اللواء علي محسن في منصب استشاري رفيع قريب من الرئيس?