مودتي
عند تلك المسترخية كغيمة ? الرحبة كسماء ? الدامية كأصيل ? الفضية كفجر جديد ? تقيم كل ايامي التي بجهلها تأريخي المشرد بين سطور افتراضية.
يوم في مقبرة “قلعة سكر”
اهل قريتي يسمونني العمياء ? و حين يضلون السبيل ? و يستعصي عليهم امر تضيق غرفتي الطينية بهم ? و ينصتون لما اقول فحسب.
ما طلبت منهم ان يطهوا لي طعامي او يغسلوا ثيابي في نهر الغراف ? لي يدان و ساقان قويتان ? استطيع اكتشاف اين يختبيء الفطر ? كذلك استدل على اماكن نمو “التولة”* لأصنع منها صحني المفضل ? تنوري الطيني يشهد اني اضع حطبي فيه و اصنع الخبز ? كما انني اسلق بيض دجاجاتي و اطعمها ? و يشق علي احيانا حمل احداهن لغرض ذبحها ? و حين تفوح رائحة اللحم يتحلق حول مائدتي اطفال اجهل وجوههم ? اوزع عليهم قطع اللحم ? و اصنع الثريد باطباق كبيرة الحجم ? رغم ذلك لم ينادني احد باسمي الحقيقي “علاهن” ? و انا لم اغضب بسبب ذلك ? فغالبا ما ارى في الغراف كائنات لا يراها احد غيري ? ملونة و تسبح بحرية تامة ? أوان المغيب تحلق المخلوقات في حضن الاصيل ? مشك?لة تضاريس لا يفك شفرتها غيري ? فأصفها لمن لا يجدون سبيلا للتسلية سوى الاستماع الى اوهامي ? اوهام العمياء.
جدي الاعلى دلني ذات يوم على كنز قديم ? لم اسرف في بيع حطامه ? بعيد شجرة في البرية ? تقيم دولة سومرية اثرية ? اخذ منها ما احتاجه من الذهب بين الحين و الحين ? و لأنني العمياء فقد ايقنوا ان والدتي قد تركت لي اساورها و قلائدها ? و إنني دفنتها في حوش الدار ? و لم يشغلوا أنفسهم كثيرا في مصدر اموالي ? فانا غالبا ما اتناول طعامي من عطاء الأرض ? لا مما يبيعونه في سوق المدينة.
قبل ان يدفونني جوار الشجرة البعيدة ? نصحت الشيوخ ان يجعلوا القصب متاريس لهم في الاراضي المنخفضة من الاهوار ? و ان يرتدوا الشوك دروعا ? و يقيمون من “المط?ال”** حزاما حول القرية………
حين الغروب رأيت غمامات جهنم ? و قوس الموت الاسود ? و في الغراف لمحت عند القعر اجتماع الافواه العظيمة باسنان لا تحصى……
_علينا بدفن العمياء.
_ان فاهك اسود يا هذا ? و انت من اهل قعر الغراف!.
_يا شيخنا ? احتملنا كثيرا هراء العمياء!
_اني ارى قومك و ما ستفعلون بالغراف و أهله!.
عند الشجرة البعيدة ? و انا اتنفس تراب قلعة سكر ? و اثار السومريين و عظامهم تضطرب لأضطرابي ? سمعت معهم ? مع اقوام اخرى دفنت كما دفنت انا صراخ اهل قريتي و و وقع اقدامهم :
_لنجعل من كوخ علاهن متراسنا ? من دخل بيتها فهو آمن.
يوم بلا لون
قطرات حمراء على زغب الريشة يتأرجحن ? رنوت بعيدا ? القرية تصاهر أفول نهار آخر ? و انا لم اصل بعد ? كل عدة الرسم معي الا النهر و النخيل و اشجار الرمان و النساء الرائحات الغاديات ? رجوت الليل ان لا يلقي بدهمائه على البيوت الهادئة البعيدة ? القطرات معلقة ? و ادوات الرسم كلها معي…الا هم..هؤلاء الذين اردت ان يرحلوا معي بالوانهم.
الليل يحصد اشتات ضياء الشمس الراحلة ? و ستارة مسرح مدلهمة تهبط من السماء…..? الان ادركت ليس بين يدي سوى الريشة و القطرات الحمراء…
يوم ثورة الخزف
اضحت اصابعها صلبة كالطين المفخور حتى انها عجزت عن تمييزها مما احاط بها من الوان الخزف ? حمل الرجل مقتنياته الخزفية ليضعها في خزانة زجاجية تشرف على الشارع.
_مقلتاها تلتمعان بدمع غريب..!!!!.
اضطرب قلبها ? انها المرة الثانية التي يتأملها فيها ? اعتادت العري في هذ المخزن ? ثوبها الرث ملقى هناك بين كثير من امتعتها التي فخرت او تحولت الى قطع زينة تضاف الى قطع الخزف الاخرى.
_لعل امرأة اخرى في الدولاب تتقن همس الخزف سوى تلك التي اصبحت بعيدة???…
هذا الرجل الاصم لا يسمعها ? و هي متصلبة في مكانها تحاول ان لا تحطم جسدها بحركة غير مقصودة.
_حان دورك لتري الشارع.
سورتها هالة حياء ? اضطربت الخزانة الزجاجية حتى تشققت كطين لم يلامسه المطر ? تكورت على نفسها يلفها وشاح صرخة مؤلمة ? و تناثرت اجزاء جسدها الخزفي على الرصيف مختلطة بشظايا زجاج الخزانة.
يوم اينشتايني?
في حضرته توقفت العيون في محاجرها دون ان تطرف ? انتحب الضوء مرائيا ? و انتحى الظلام جانبا ? ثيابنا الممزقة رفت كرايات حمقاء ? و ارجلنا الخشبية اصدرت صوت تحطمها ارتجافا و ارهاقا و خجلا…
من منا يجرؤ على نطق الحرف الاول كمدخل لانبهارنا?????.
تجنبنا النظر الى بعضنا الآخر ? تنفسنا عبراتنا و كلماتنا المتحجرة بشكواها سرا…
في قبضته و على يمينه بضع غيمات و تشكيلة قوس قزح..? ربما هذا ما خيل لنا اننا قد رأيناه..
في حجره شمس و نثار نجوم ? على كتفيه اراض تشبه ارضنا في كتاب الجغرافية…
_أكان ذلك حقيقيا????
_إن اتفقنا على وصفه سنؤمن اننا رأيناه معا…….
_ هل رأيت الزنابق العملاقة???
_لا لم ار ? تلك كانت بضع مجرات معلقة امامه…
_ايها الاحمق انها زنابق لا اكثر..
_الاحمق من يظن المجرات زنابق..
_الاحمق من يظن ان بإمكانه رؤية مجرات على هيئ