تفاح الجن..وثوار ما بعد الثورة
منذ زمن بعيد , كتب الدبلوماسي الايطالى الشهير نيقولا مكيافيلليى كتابا لم يرقى لشهرة كتابه الأشهر “الأمير” ,عنون هذا الكتاب النادر باسم “تفاح الجن” وسطر فيه فصولا من حيل واعاجيب مارسها جن القيلولة للايقاع بضحاياه من الشاردين والتائهين وضعاف النفوس في تلك البقاع النائية.
درس هذا الشيطان الماكر نفسية ضحاياه من هؤلاء المعذبين وتعرف على مخابئها اكثر مما هم يعرفونها فى انفسهم وراح يمتطيهم كما تمتطى الجياد والحمير والبغال ويقودهم الى حيثما يحب ويهوي بشغف منهم واصرار فيهم فيلقي بهم الى التهلكة.
فصور هذا الشيطان الماكر لهم الرذايا وكأنها مزايا.. وثمار الحنظل وكأنها تفاح ناضج يفتح الشهية طعما ويسر الناظرين عينا.
والهدف من وراء استدعاء افكار هذا الكتاب الان , التذكير بأن ثمة هوة كبري بين النظرية والتطبيق , والقدرة والامنية, والظاهر والباطن , خاصة ان البعض يطرحون افكارا ورؤي بالغة “البهرجة والزركشة ” لكنها تفتقد فى احيان كثيرة الى المنطق ..وهم يسعون من وراء ذلك الوصول الى نتائج اخري غير التى تقولها ألسنتهم , الا أن هذه الاطروحات الظاهرة صدقها بسطاء مسمطون بلا خيال, فرسخت فى مخيلاتهم , واعتبروا عينها عين اليقين , لا يمسها زيف او خداع او حول , رغم انها هى بالكامل مجرد زيف فى خداع فى حول وما كانت الا للتخديم على منطقيات الجلاد وليس الضحية.
ومروجو تلك اللا منطقيات الشائهة والدعاوي العبثية من قلة من الاعلاميين ارتضوا ان يعملوا كسحرة فرعون يزيفون الحقائق ليحيكوا غطاءا منطقيا يغطى ترهات ثوار ما بعد الثورة , اصحاب البطولات الورقية وصناع “ذوابع الفناجين” وهى البطولات التى تذكرنا لحد بعيد ببطولات اسماعيل يس وعلى الكسار.. الا ان الفارق هنا هو حسن نيه الممثلين الاثنين ورغبتهما فى اضحاك الناس وهو عمل حميد لحد ما, بينما الاخرون يفعلون ذلك بسؤ نيه واضح وافتقاد كبير للوطنية سواء أوشرف الخصومة السياسية , ويكيدون كما تكيد النساء حيث توافر لديهم الاستعداد لخرق السفينة والغرق فيها , طالما غرق بينهم من يكرهون.
والمشكلة ان هناك بسطاء صدقوا هؤلاء السحرة عارضي تفاح الجن , حينما اخبروهم انه لو سقط مرسي ستنتصر مصر , وفى الحقيقة انه لن تكون هناك مصر اصلا , بل ان الحسابات البنكية المتخمة باموال الشعب المسروقة هى فقط التى ستنتصر وستبقي , واللصوص سيستمرون فى اداء مهمتهم المقدسة فى امتصاص حليب البقرة الهزيلة البكماء الخرساء العمياء بمفردهم بعد توقف دام عامين من عمر التاريخ.
البسطاء صدقوا ان هؤلاء السحرة هم الثوار ولم يدركوا انهم فى الواقع ليسوا ثوار ما بعد الثورة فحسب ولكنهم ثوار على الثورة , هم لم يدركوا انه ما كان لمبارك واجهزته ان تمكن احدا ليعمل فى اى اقل المهن شأنا بالدولة ..ما بالك الاعلام .. الا بعد اداءه القسم واتخاذ ضمانات تجهيزه بان يكون كومبارسا لا دور له الا ما يلقن به , وكان الاكثر حظا وحظوة عند تلك الأجهزة هو هذا الذى يتم تقديمه للناس بوصفه معارضا للنظام , فيبدأون تدريبه على مهمة التمثيل او خداع الشعب , وسرعان ما ينجح فى اداء الدور فيصبح بطلا وطنيا وقف ضد النظام , مع انه هو قلب النظام ,لكنه اجاد مهمة الخداع واستطاع ان يصنع من الشعب مليون برئ كبراءة احمد زكى في فيلم البرئ .
وينسج هؤلاء البسطاء خيوط الاحلام ويبنون قصور تناطح السحاب بينما هى من رمال , املين فى وطن يكبر وينمو بينما هو ينهار , يعتبر الواحد منهم انه امتلك صندوق المعرفة بينما لا يعدو ان يكون ببغاء.
ويروج هؤلاء السحرة ضمن ما يروجون ان الاسلاميين الذين يحكمون “اسميا” مصر يريدون تسليم مصر لامريكا , وهم بذلك يمتدحون سيدهم ومولاهم مبارك ويعطونه صك الوطنية وكأن مصر كانت في عهده دولة مستقلة حقا , مع ان اى مراقب سياسي يعلم يقينا ان مشكلة الشعب العربي كله وعلى رأسه مصر انه صدق اكذوبة استقلال بلدانه?.
بل ان المصريين صدقوا انهم وقعوا اتفاقا للسلام بينهم وبين اسرائيل يقوم على الندية وفى الواقع هو يقوم على الاذعان وعلى جعل مصر كلها وليست سيناء رهينة لدى اسرائيل.
ويحضرنى هنا دراسة مكثفة وقصيرة للدكتور محمد سيف الدولة ذلك المفكر القومى المخلص عنونها باسم “الكتالوج الامريكى الذى يحكم مصر” حيث اكد فيها ان اتفاقية السلام مع العدو الصهيونى انتجت خمسة محاور لهدم الدولة المصرية اولها جعل سيناء رهينة دائمة لاسرائيل وثانيها تدمير القطاع العام الذى يقوم بالصرف على المجهود الحربي واستبداله بمعونة عسكرية ثالثها صناعة طبقة من رجال الاعمال وبالتالي الاعلام الذين يدينون بالولاء لامريكا ورابعها صناعة منظومة حزبية وسياسية شاملة تقوم على الاعتراف بالدور الامريكى في مصر وخامسها عزل مصر عن محيطها العربي والانفراد بكليهما.
هل فهمتم الأن ماذا يحدث في مصر أم انكم لا زلتم تحتاجون المزيد ?
هل فهمتم ان السادات قد صدق حينما وصف نتائج ما جنته يداه بقوله ان 99 % من اوراق اللعبة في يد امريكا?
هل فهمتم ان الجميع