لم تكن المركزية مشكلتنا الرئيسية لنعالجها بسته أقاليم
التشخيص الخاطئ بالتأكيد يؤدي الى فشل العلاج, أما اذا شخصنا المرض ثم أعطينا المريض وصفة علاجية لمرض آخر, فتلك جريمة, وذلك هو حال اليمن اليوم.
تعرف نخبتنا السياسية الحاكمة ما هو مرض اليمن, الذي لم يكن يوما?ٍ بسبب المركزية, انما بسبب غياب الدولة بمفهومها الحديث, وتديرنا بدلا?ٍ من ذلك العصابات المنظمة الرسمية.
ومن الأمثلة الواضحة على تلك المعالجات الكارثية طريقة معالجة مشكلة تفجير خطوط نقل الطاقة الكهربائية أو خطوط النفط التي تعتبر واضحة المعالم, ولا تحتاج الى تشخيص, لكن العلاج بدفع الأموال للمتقطعين جريمة رسمية ابشع من جريمة المتقطعين أنفسهم, لأن الدولة بذلك تمول عمليات التخريب بطريقة مباشرة, بل جعلت من تلك الجرائم مهنة يقتات عليها العشرات ان لم يكن المئات, ومع أن العلاج بدفع المال فشل ولعقود, إلا أن السلطة تكرر ذلك الاسلوب لأنه يتماشى مع ادارتها المافوية للبلد, فالأموال التي تسلم للمخربين يستفيد منها الكثير من الوسطاء و الرسميين ولا يعطى للمنفذين الا الفتات.
قطع امدادات الطاقة مشكلة حيوية, لا يمكن بأي حال من الأحوال التساهل معها, مهما كانت مبررات المخربين, فيجب على الدولة أن تضرب بيد من حديد, وفي نفس الوقت ت?ْنصف من لديه مظالم, والانصاف لا يعني العفو عن الجرائم أو التسامح معها, الانصاف هو بهدف تعرية المخربين أمام المجتمع اذا كانت لديهم قضايا حقيقية, لكن يجب أن يلاحق الجاني حتى ينال عقابه, ليكون عبرة لغيره, فالهدف من العقاب ليس الانتقام انما الردع, واعتقد أن دفع الأموال لا يردع المخربين إنما يغريهم وغيرهم على امتهان التخريب.
مشكلة الاغتيالات, واضحة المعالم أيضا?ٍ, وسببها الصراع على السلطة بين مراكز القوى, ولكل مركز “قاعدته” الخاصة به, تنفذ عمليات الاغتيال التي يريد, واصبح الاغتيال في اليمن مناقصات عامة, يتم الاعلان عنها في الجرائد دون ان تتحرك الاجهزة المختصة, فكم من اعترافات لبعض من نفذوا جرائم اغتيالات ظهرت في الصحف, بل ان بعضهم طالب علنا?ٍ بباقي اتعابه عن عمليات سابقة, وكان ينقص ان يرفع ذلك الشخص دعوى امام المحكمة ليتحصل مستحقاته, فالعقد شريعة المتعاقدين.
بدلا?ٍ من أن يتم عزل مراكز القوى التقليدية واخراجهم من المشهد السياسي والأمني والعسكري, لنأمن من الاغتيالات, يتم معالجة المشكلة بعمل عشرات النقاط التي تجعل العاصمة أشبه بسجن كبير, تلك النقاط لم تمنع الاغتيالات لأن المنفذين مرتبطين بأجهزة رسمية وبالتالي لديهم تصاريح خاصة يتنقلون بها بحرية, ومن يدفع الثمن هو المواطن العادي الذي يفترض به أن يخرج عريان حتى لا يتم “عسعسة “خواصره أثناء مروره من عشرات النقاط داخل العاصمة.
وبالعودة الى عنوان المقال والعلاج بالأقاليم, يمكننا أن نسأل متى كانت المركزية هي مشكلتنا الرئيسية? ومتى كانت هناك دولة مركزية قوية أدت الى بطئ في النمو الاقتصادي مثلا?ٍ بسبب الروتين وتركز الصلاحيات في العاصمة?
اللجوء الى الفدرالية يجب أن يأتي بناء على اعتبارات اقتصادية وجغرافية الهدف منها تسهيل حياة المواطنين أولا?ٍ, لتمكنوا من إدارة أنفسهم ادارة اقتصادية أكثر جدوى من الادارة المركزية التي يصعب عليها معالجة كل الاشكالات خصوصا?ٍ في بلد مترامي الاطراف كاليمن.
اللجوء الى الفدرالية في مثل هكذا أوضاع وتقسيم اليمن الى سته اقاليم سيؤدي الى ازدياد النزعات الانفصالية, ولن يقتصر الأمر على دولتين بل قد يصل الى عدة دول, خصوصا?ٍ اذا بدأ تنفيذها في ضل هذا الترهل والضعف الذي تمر به الحكومة المركزية.
الفدرالية تكون حلا?ٍ في حالة وجود دولة مركزية قوية, تتمكن من الانتقال الى الفدرالية بخطوات واضحة ومرتبة, لكن مشكلتنا أننا فدراليات جاهزة, فكل قبيلة دولة لوحدها, بل ان داخل صنعاء عدة أقاليم, إقليم الحصبة, واقليم مذبح وجامعة الايمان, واقليم النهضة, واقليم صالح في حدة, وغيرها من الأقاليم.
يمكن أن نبدأ بحكم محلي واسع الصلاحيات الى أن نعيد بناء الدولة على اسس سليمة, ثم نفكر في مسألة فدرالية الأقاليم بناء?ٍ على دارسات علمية واحتياجات حقيقية للشعب وليس بناء على مصالح ضيقة لبعض مراكز القوى التقليدية في الجنوب والشمال يتم معها تقسيم الغنيمة بينهم, ونقل الفساد من المركز الى عدة أماكن, لتتوسع قاعدة النهب.
اذا كانت السلطات عجزت عن تعويض المتضررين من حرب 94 م وحروب صعده, وعجزت عن اعادة الأراضي المنهوبة الى أصحابها, ولم تتمكن حتى من اقرار قانون العدالة الانتقالية, ولا حتى اجبار القوى التي شاركت في تلك المآسي على مجرد الاعتذار, سلطة لم تتمكن من ضبط مفجري خطوط الطاقة مع أنهم معروفين بالاسم واماكن تواجدهم معلومة, كيف يمكننا أن نركن الى مثل هكذا سلطة لتنفذ خطة تقسيم اليمن الى اقاليم, هكذا سلطة ستعمل على نقل كل مساوئ المركز وصراعته الى الأقاليم, وسنفتح فروع جديدة لمراكز الفساد في كل اقليم, فلدى كل مركز منها “حراكه الخاص” اضافة الى ” قاعدته الخاصة”, والضحية في النهاية هو المواطن البسيط.