مقاربة صمدت بعد عام كامل: تركيا وقطر وإسرائيل والإخوان
من المنتصف نت):
نشرت هذه الورقة الرصينة في مطلع العام الماضي 2012م, وحظيت بانتشار واسع ونسخت وترجمت مئات المرات. وكما يتضح من الواقع وتياره الجارف بالوقائع فإن المقاربة التحليلية طي الورقة البحثية العميقة صمدت, ولا تزال تصلح تماما للنظر وإعادة القراءة على ضوء ما استجد وتعاقب خلال عام أو أكثر على يومها الأول. (
– قد يتساءل البعض: كيف للإخوان المسلمين أن يعقدوا صفقات مع أعدائهم التاريخيين: أميركا وإسرائيل? والإجابة ببساطة: مثلما عقدت قطر صفقات مع الأميركان والإسرائيليين رغم إعلامها العدائي لهما.
تخبرنا أدبيات المفكرين في حقل “النظرية السياسية” أو “الفلسفة السياسية” أن النظم السياسية? رغم تنوعها بتنوع الحضارات والثقافات والشعوب? تنقسم إلى قسمين لا ثالث لهما? إما نظام سياسي محافظ? وإما نظام سياسي ثوري? وكلاهما يسعى إلى بلوغ غاية واحدة لها تجليات شتى? فأما الغاية فهي “المصلحة” أيا كانت مصلحة فرد أو طائفة أو أمة? وأما التجليات فتتمثل في آليات الوصول إلى هذه المصلحة التي تتخذ في الغالب الأعم صورة السعي إلى بلوغ السعادة? فكل النظم السياسية تسعى إلى “السعادة” بالمعنى الاقتصادي والاجتماعي والإنساني عموما? بمعنى أن النظام المحافظ إنما يحافظ على الوضع القائم بحجة أن في ذلك استقرار وفرصة سانحة لنيل السعادة والرخاء والاصلاح المطلوب? أما النظم الثورية فترى أن التغيير هو السبيل الأمثل والوحيد لنيل السعادة المرجوة.
إنطلاقا من هذا التوصيف المبسط والمختصر تم الاصطلاح على أن “السياسة” هي “فن الممكن” أما الرؤى السياسية للشعراء والفنانين والفلاسفة أصحاب المشروعات اليوتوبية إنما هي “فن المستحيل” لأن الفريق الأول يسعى إلى بلوغ ما هو ممكن على أرض الواقع والمحدد في منطلقاته وآفاقه بما يمكن أن يتم تحقيقه في عالم الواقع وبالتالي يرتبط عضويا بفكرة “المصلحة”? أما أحلام الفلاسفة والشعراء السياسية إنما هي أحلام مستحيلة ليس بمعنى تقني? أي استحالة صنع هذه الأحلام? وإنما بمعنى يرتبط أكثر بالحلم البشري الذي ينشد الأفضل دائما ومن ثم فكلما تحققت إمكانية ما يكون هناك شغف إنساني لتحقيق ما هو أفضل من ذلك? أي عدم توقف رغبة الحلم البشري في الكفاح من أجل بلوغ أفضل الممكنات والتي تظهر دائما في أفق الواقع مثل السراب أحيانا كلما بلغه الإنسان أدرك أنه لم يبلغ شيئا.
وبعيدا عن إيجابيات أو سلبيات هذه الرؤية أو تلك? نحاول قراءة المشهد السياسي العربي – الإقليمي في ظل ثورات “الربيع العربي” التي دعمتها أطراف وانتقدتها أخرى خلال العام المنصرم.
تظهر في الساحة العربية والإقليمية مجموعة من الأطراف التي باتت أيقونات ثابتة وهي: الدول العربية? إيران? إسرائيل? أميركا? تركيا? الإخوان المسلمين? فضلا عن قطر التي كانت بمثابة الأيقونة الإعلامية التي دعمت معظم مشروعات الربيع العربي!
ولكن في هذا التحليل المختصر سوف نركز اهتمامنا على أطراف ثلاثة وهي: قطر وإسرائيل وتركيا ومن خلفهما جميعا جماعة “الإخوان المسلمين” باعتبارها الخلفية الرئيسية لهذه الأيقونات الثلاث.
العالم العربي.. ساحة الصهيل التركية الجديدة
بعد أن هرمت الدولة العثمانية? آخر معاقل الخلافة الإسلامية في العالم? وأصبحت كهلا عجوزا ومريضا سقط سريعا في أولى حروب العالم العالمية? ظهر الزعيم التركي الراحل كما أتاتورك كإصلاحي سياسي يسعى إلى إصلاح بلاده ليس من خلال الدين والخلافة وإنما من خلال النقيض لذلك تماما? وأعلن – كما هو معروف – في عام 1924 سقوط دولة الخلافة وقيام الجمهورية التركية “العلمانية” التي تفصل ما بين الدين والدولة? ولم تمر سنوات إلا وظهر في مصر الإمام حسن البنا ليعلن عن تكوين جماعة الإخوان المسلمين في نهايات العقد الثالث من القرن العشرين? مؤكدا في رسائله المنشورة وآرائه وتصريحاته أن الهدف الأساسي هو استعادة الخلافة التي أسقطها أتاتورك “العلماني”? وبذلك دشن البنا لأول صراع رسمي بين الإسلاميين والعلمانيين “أو الليبراليين” في العالم العربي والإسلامي.
بعد سنوات ظهر في تركيا نجم الدين أربكان رئيسا للوزراء وكان صاحب مرجعية إسلامية “إخوانية” رغم نفي الإخوان أنفسهم? ودخل أربكان في صراع طويل مع المؤسسة العسكرية التركية وانتهت بهزيمته في بواكير العقد الأول من القرن الواحد والعشرين غير أن رئيس بلدية إسطنبول استطاع أن يتسلم الراية من أربكان ويواصل المسيرة بكل نجاح بطولي. إنه السيد رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي وزعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم.
تسلم أردوغان الحكومة وبلاده تعاني من أزمات مختلفة على الصعيد الاقتصادي والسياسي? ولكنه في غضون سنوات قليلة تمكن من تنمية الاقتصاد ووضع تركيا في مصاف الدول الكبرى ومن حينها تفرغ لكي يصول ويجول كما لو كان فارسا قديما يسعى إلى إحراز البطولات التي تسلب أفئدة الجماهير? ولم يجد أردوغان ميدانا أرحب ولا أنسب من ميدان الدول العربية الفارغة من الفوارس.
غير أن هذه