عند الحديث عن ( الفلوس)… تقع الكؤوس على الرؤوس
انتهت جلسة البرلمان المخصصة للتصويت على الموازنة العامة للدولة للعام 2013 إلى مواجهات عنيفة بين النواب والحكومة أدت – حسب بعض الروايات – إلى التلاسن الحاد? والاشتباك بالأيدي و(كؤوس الشاي) بين بعض النواب وأحد الوزراء? احتجاجا?ٍ على أحد النواب الذي اتهمه بتخصيص قروض وهبات المانحين لشركة أخيه? في مخالفة واضحة?ُ للدستور وقانون المناقصات والمزايدات.
هذه الواقعة?ْ الجديدة في البرلمان: بش?ِ?رت بنوع?ُ من السلوك (الديمقراطي).. يعكس حقيقة التوافق في حكومة الوفاق التي ترى أن (شرعيتها الثورية) تمنحها الحق في إعداد موازنة?ُ كارثية.. توزعها أينما وكيفما تشاء? بغموض?ُ تام لمواردها? ونفقاتها? وتحد?ُ صلب للمعاناة التي أفرزها الواقع (الثوري الجديد) على كل الأصعدة الحياتية في جوانبها الأمنية والمعيشية والاستثمارية.
تفاصيل جلسة البرلمان التي أصبحت الأشهر بحكم وقوع (الكؤوس على بعض الرؤوس) في ذلك الاشتباك.. دفع البعض إلى التسابق للحصول على البيانات? والمعلومات حول هذه الموازنة? التي و?ْصفت بالكارثة? والتي قادت إلى المواجهات بين النواب والحكومة.. وكادت أن تعصف بما تبقى من المؤسسات (المقيدة أصلا?ٍ في عملها بموجب التوافق وليس بنصوص الدستور) لولا تدخل رئيس الجمهوريه لإنقاذ الموقف بالدعوة إلى اجتماع?ُ عاجل?ُ للحكومة والبرلمان? يرأسه بنفسه? لضمان استمرار البرلمان في عمله واستكمال إقرار هذه الموازنة.. وقد كان? وعلى قاعدة: (مصائب قوم?ُ عند قوم?ُ فوائد?ْ).. فقد كان مفيدا?ٍ ذلك الاشتباك الذي د?ِف?ِع?ِن?ِا إلى الاطلاع – ولو جزئيا?ٍ – على بعض ما تضمنته هذه الموازنة? التي أرى أن وصفها بالكارثية قد كان متواضعا?ٍ.. وقد نحتاج للبحث في متون اللغة? وقواميسها عن مصطلح?ُ يبرز الوضع الكارثي أو التدميري لهذه الموازنة.
لقد كان مفزعا?ٍ أن تستهل (حكومة الثورة) توجهاتها في بناء الدولة المدنية بإعداد موازنة?ُ تتضمن استيعاب مائتي ألف جندي في وزارة الدفاع والداخلية? سرعان ما تبرأ منهم وزير الدفاع عندما أعلن أمام لجنة الموازنة البرلمانية والحكومية عدم علمه بهذه الأرقام الفلكية.. وأن ذلك التجنيد لم يكن ضمن خطط وزارة الدفاع? بل وإنه قد تم دون علمها.. هذا في الدفاع.. أما ما تم تجنيده خارج إطار الموازنة في وازرة الداخلية فإن اللجنة لم تحصل على أي توضيح أو معلومات حول ذلك? لامتناع وزير الداخلية عن الحضور إلى لجنة الموازنة لمناقشة الأمر (حد تعبير هذه اللجنة).
تم هذا في الوقت الذي كان الجميع يتوقع من الحكومة أن تباشر تصحيح الاختلالات في مخصصات القوات المسلحة والأمن.. والسيطرة على الإيرادات وتوظيفها في تحسين مرتبات الضباط والجنود? وتنفيذ مراحل استراتيجية الأجور لمواجهة التضخم? وسوء الأحوال المعيشية لمنتسبي هذه المؤسسة? بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية? وتصاعد أسعار السلع? وتكاليف الحياة الأساسية..
إن ما يثير السخرية في هذه الموازنة هو ما أظهرته من نفقات غير معروفة?ُ? وغير مبوبة?ُ? تمثل أكبر عملية فساد?ُ واستهتار بالمال العام? واستخفاف بعقول نواب الشعب? وصل ما تم الكشف عنه حسب تقرير اللجنة: اعتماد مبلغ أربعمائة وسبعة مليارات ريال وهو ما يمثل نسبة 14.7 % من مجمل الاستخدامات العامة في الموازنة وتحت مسمىغريب? ظهر لأول مرة في مشاريع موازنات الدولة? وهو مسمى (نفقات أخرى) ولا ندري ما هي هذه النفقات الأخرى? بهذا الحجم? وبهذا الرقم? دون تبويب أو تحديد مسمياتها أو أوجه إنفاقها? في سلوك يثير الريبة والتوجس? وفي ظل الحديث عن الشفافية في إعداد الموازنات وكشف أوجه الإنفاق? ومصادر الإيرادات.. يأتي هذا في ظل الحديث عن انضمام اليمن إلى منظمة الشفافية العالمية? في الاستكشافات النفطية والمعدنية.
لقد مثلت عقود شراء الطاقة الكهربائية التي تمت خلال العام 2012 أكبر عناوين الفساد? حيث تمت – حسب تقرير لجنة الموازنة – بالمخالفة للدستور والقانون? وكل?ِ?فت الخزينة العامة للدولة – وفقا?ٍ لإيضاح وزير المالية – مبلغ (159.6) مليار ريال وبمعدل (2.05) مليون دولار قيمة الوقود? لإنتاج واحد ميجاوات من الطاقة الكهربائية خلال العام.. حيث من المتوقع استمرار هذا النهج لترتفع الكلفة التي تتحملها الخزينة العامة للدولة إلى (861) مليون دولار? رأت اللجنة أن الحكومة بهذا السلوك قد نسفت كل الإجراءات السابقة لترشيد الإنفاق على الطاقة? وأهداف رفع الدعم عن المشتقات النفطية التي تمت في العام2012? ناهيك عن توجيه العقود بعيدا?ٍ عن الأسعار التنافسية وفقا?ٍ للمعايير المتعارف عليها? وبما يحقق العوائد الاقتصادية في الشراء? وهو الأمر الذي فج?ِ?ر المواجهة داخل البرلمان? وأدى إلى اشتباك بين الأعضاء والحكومة أثناء الحديث عن عقود شراء الطاقة..لقد كان محزنا?ٍ أن تظهر الموازنة?ْ لتقطع الأمل عن أي آفاق استثمارية لتحقيق التنمية? واستعادة التوازن لنشاط القطاع العام? والقطاعات الاستثمارية الخاصة? للمساعدة على تحقيق الانتعاش الاقتصادي? وخلق فرص ع