عقدة سنحان.. التي أطاحت بدولة المؤسسات
كان بإمكان الرئيس السابق علي عبدالله صالح أن يقود الثورة الحقيقية التي تلبي الحد الأقصى لمطالب الجماهير.. ومعها أيضا?ٍ الحد الأدنى للقوى المعارضة له تحت مظلة (اللقاء المشترك).
كان بإمكانه ذلك دون الحاجة لساحات ومناصات? وحروب? ودمار? ودماء? وحصار وشلل للحياة? وانقراض للمجتمع? ثم وساطات وحوارات? ومبادرات? وذلك من خلال الاستجابة للمطالب المتكررة للجماهير التي بح?ت حناجرها وهي تطالبه سلما?ٍ وحربا?ٍ? ومعارضة?ٍ وتأييدا?ٍ? وانتخابا?ٍ? وتحالفا?ٍ? وبكل ما تيسر لها من وسائل التعبير والتدبير? مطالبة?ٍ إياه بإجراء إصلاحات حقيقية في بنية الدولة الهيكلية? ومحاربة الفساد وتنظيف المؤسسة العسكرية من المقاولين والعابثين? وضبط عقيدتها العسكرية لضمان ولائها الوطني بعيدا?ٍ عن الولاءات المناطقية والقبلية والأسرية.
ولو كان قد استجاب لإرادة التغيير – مختارا?ٍ – لتجنب عاصفة الربيع? ولربما تحكم باتجاه رياحها لو بادر مبكرا?ٍ وأطاح بمراكز النفوذ في الجيش وتحرر من عقدة (سنحان) وأقال القادة من آل سنحان الذي تملكوا المؤسسة العسكرية وذهبوا حد توريثها لأبنائهم? باعتبارها جزء?ٍا مكملا?ٍ لممتلكاتهم الخاصة.
ماذا لو أنه استجاب وأقال الحكومة ونفذ ما وعد به في بيانه ليلة العيد العشرين للوحدة وكلف المشترك بتشكيل حكومة شراكة وطنية? ثم باشر تنظيف مؤسسات الدولة من الفساد الذي كان يعلمه ويعرف عناوينه وأماكن إقامته..
فمثلما كانت مطالب الجماهير متواضعة.. كانت مطالب المشترك أشد تواضعا?ٍ? حيث لم تتجاوز مطالبها – آنذاك – أكثر من تعديل قانون الانتخابات? وإقرار مبدأ القائمة النسبية? وتحقيق العدالة في تكوين اللجنة العليا للانتخابات? وتشكيل حكومة وفاق تشرف على العملية الانتخابية.
لكنه كان قد تعو?د على ركوب المخاطر (والرقص على رؤوس الثعابين)? فظن (أنه ناج?ُ منهما) فواصل الرقص معها دون أن يحس بسمومها الناعمة التي كانت تغريه بملمسها الحريري!! وتتسلل في مسامات جسده.
كان علي عبدالله صالح مخطئا?ٍ حين ظن أن حربه الباردة مع بعض أركان نظامه ستحتفظ بصقيعها البارد.. مهما تغيرت حرارة المناخ السياسي? وأن ترسانة الحرس الجمهوري سوف تردع وتمنع تفكير أي شخص من التحرك نحو دار الرئاسة? لكن بعضهم كان (يحفر في جدار ) آخر للبحث عن ضريح لحليفه اللدود? وليس عن بوابة للولج إلى الدار الذي اعتاد على ارتياده – مجبرا?ٍ – رغم عدم إعجابه بالمقيمين داخله.
وعندما احتدم الوغى.. وخرج الناس – بعد أن يئسوا من أية استجابة لمطالب الإصلاحات- يطالبون بتغيير النظام.. قرأ الإصلاح المشهد على ضوء نتائج ما جرى في تونس ومصر? وظهروا مترددين عن اللحاق بالشباب.
إن كان للرئيس السابق صالح إنجازات تحسب له على أصعدة?ُ سياسية?ُ وتنموية?ُ ليس بمقدور اللحظة الانفعالية أن تطمسها من الواقع .. فإن عليه مآخذ يدركها أركان حزبه ومحبوه بل ويعضون أصابع الندم حسرة?ٍ عليه? وليس بإمكان اللحظة العاطفية أن تقفز عليها أو أن تزيل آثارها السلبية على صعيد التخلف المؤسسي في بناء الدولة وإدارة شئونها.
كيف لا? وهو الذي منحته الجماهير فرصا?ٍ ذهبية?ٍ لبناء دولة النظام والقانون? فتردد ولم يتحرك وظل حبيس عقدة (سنحان)? في إدارته العشوائية? ومراعاة القرابة في التعيين في الوظائف صانعة وحامية القرارات الوطنية? وهي التي أضعفته في النهاية أو هي التي كانت سببا?ٍ في الإطاحة به.
ألم تتح له الفرصة الذهبية بعد إعلان دولة الوحدة لبناء الدولة? ورفع الناس سقف دعمهم للرئيس – تماما?ٍ – كما رفعوا سقف توقعاتهم منه لفائدة بناء المؤسسات? والتخلص من مراكز القوى التي تتملك البلد وتتحكم في إدارته.. ولكنه انساق وراء الموجة التي قادها? للتخلص أولا?ٍ من شريك الوحدة? الحزب الاشتراكي حتى تسبب في انهيارها والدخول في الحرب التي خدشت سلميتها.
ثم? ألم تتردد الفرصة مرة?ٍ أخرى بعد حرب أربعة?ُ وتسعين? وعقب فشل مشروع الانفصال? ومنحت الجماهير تأييدها من جديد للرئيس السابق صالح? باعتباره (باسمارك) اليمن? فأضاع الفرصة وعاد إلى حظيرة القوى التقليدية.. الذين تقاسموا الجنوب كغنائم حرب?ُ? منهم من استأثر بمنازل قادة الجنوب كما هو مصير منزل علي سالم البيض? ومنهم من اقتطع أراضي في عدن وحضرموت وباعها بملايين الدولارات? ومنهم من استولى على ساحل أبين في عدن? وأخذ ينشئ الاستراحات لنفسه أو يوزع الأراضي هدايا لأنصاره.
لقد دفع الرئيس السابق صالح ثمن بقائه في السلطة باهظا?ٍ من مستقبل الأجيال? وصل ذروته عندما استبدل عضوية الزنداني في مجلس الرئاسة بالتضحية بالذهنية المستقبلية للأجيال? ليمنحه حق إنشاء جامعة الإيمان التي تحمل اليوم راية التكفير? في وطن يؤمن أبناؤه بشرع الله (وبرسالاته السماوية التي بعثها بالحق والهدى لخير البشرية في كل زمان ومكان).
لا شك أن صالح اليوم يضع يده على خده? ويندب حظه ويندم على فرص نادرة?ُ أضاعها. لكن يوم لا ينفع الندم? وليكتشف – متأخرا?ٍ