وقولوا للن??ِاس? ح?ْس?نا?ٍ (١-٢)
الحمد لله على نعمة الإسلام..
وفى هذه الخاطرة تأملت?ْ قول الله تعالى: «و?ِق?ْول?ْوا ل?لن??ِاس? ح?ْس?نا?ٍ»? متسائلا?ٍ:
1- من ه?ْم الناس? هل هم من يتفقون معنا من المسلمين فقط? أم عموم المسلمين? أم الناس? كل الناس?
2- ما المقصود بالح?ْس?ن? فى القول هنا? أهو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر? أم عرض الإسلام? أم أنه م?ْطلق الح?ْس?ن?
3- ما صلة هذا الأمر ببقية التعاليم التى فى نفس الآية?
4- هل هذه التعاليم متوجهة إلينا? أم أنها خاصة ببنى إسرائيل? وهل الأمر بح?ْس?ن القول للناس باق?ُ? أم أنه منسوخ بآية السيف?
ثم أبحرت فى كتب المفسرين لأنظر فى صحة نتاج هذا التأمل..
وقد يتساءل البعض: لماذا كل هذا? أليس ح?ْس?ن الخلق أمرا?ٍ فطريا?ٍ لا يحتاج إلى بحث أو استدلال?
والجواب: بالتأكيد هو كذلك? لكن ما نعانيه اليوم من تدهور أخلاقى واختلال فى الاتزان النفسى? مع تسارع?ُ فى تتابع الأحداث? وحد?ة فى التصادم على مستوى الأفكار والقيم والأفراد والجماعات على م?ْختلف الص?ْع?ْد الثقافية والمجتمعية والسياسية والاقتصادية والإعلامية.. كل هذا مع ما نعانيه من تصدر فج? لمشهد الخطاب الإسلامى فى هذا التصادم? وارتفاع أصوات من لم يكتمل لديهم الحد الأدنى من التأهل الشرعى والنفسى? وانحراف بعض نبرات خطابهم عن الهدى النبوى? بل ومحاولة إعطاء هذا الانحراف نوعا?ٍ من المشروعية بالاستناد إلى بعض النصوص على نحو م?ْحر?ف لسياقها وفاقد لاستيعاب دلالاتها اللغوية الأدبية فى ذات السياق..
وذلك كل?ه لتبرير هذا الانحراف دون تنب??ْه أو التفات إلى ما يسببه هذا العبث?ْ من اهتزاز ثقة الجيل بدينه العظيم وتعطيله عن الارتقاء فى معارج قيمه السامية..
لكل هذه الأسباب? أجدنى بحاجة إلى التعامل مع معضلة توضيح الواضحات? وهى من أعظم الم?ْشكلات كما ي?ْقال..
فلنمض? إلى خوض غمار إيضاح المعضلة بالإجابة عن هذه الأسئلة:
السؤال الأول: من هم الناس? هل هم م?ِن يتفقون معنا من المسلمين فقط? أم عموم المسلمين? أم الناس? كل الناس?
والجواب: الآية جاءت مخبرة عن ميثاق أخذه الله على بنى إسرائيل? وقد سبق أن أنكر الله على طائفة منهم حين جعلوا الالتزام بالقيم مشوبا?ٍ بالعنصرية? فيكون الالتزام بالقيم واجبا?ٍ حين يكون التعامل مع بنى جنسهم وي?ْبر??ِر عندهم انتهاك?ْها عند التعامل مع الآخرين من غيرهم «ذ?ِل?ك?ِ ب?أ?ِن??ِه?ْم? ق?ِال?ْوا? ل?ِي?س?ِ ع?ِل?ِي?ن?ِا ف?ى الأ?ْم??ي??ين?ِ س?ِب?يل?َ»? فكيف ي?ْستساغ أن يأخذ الله عليهم ميثاقا?ٍ يمكن أن ي?ْفهم منه قبول هذا النوع من التحي??ْز فى القيم?
يتضح من هذا أن المقصود هنا هو عموم الناس? لأن المبادئ لا تتجزأ..
وعند النظر فى كتب التفسير وجدت?ْ نقلا?ٍ لبعض الأقوال التى وقعت فى فخ التجزئة للمبادئ? غير أن الترجيح كان لتأكيد أن? المبادئ ثابتة..
وهنا ينبغى أن نفهم عند قراءة كتب المفسرين أن الكثير منهم التزموا نقل الأقوال المتعددة? احتراما?ٍ لأمانة النقل ورعاية لقيمة التنوع وفتحا?ٍ لأبواب النظر والتحليل? وهذا منهج?َ راق?ُ..
لكن? وللأسف? جرى تشويه هذا المنهج فى ظل فوضى الخوض فى الخطاب الإسلامى دون احترام المنهجية والتخصص? وعشوائية? بناء المفاهيم الشرعية لتسكين الأفكار المنفعلة فى ثنايا هذه العشوائيات? وإعطائها صفة الوجود المجتمعى عبر انتشارها بقوة فرض الواقع وقانون وضع اليد..
والقائلون بأن الأمر الإلهى هنا يشمل جميع الناس هم:
الإمام على بن أبى طالب? كرم الله وجهه? والإمام محمد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين? وعطاء بن رباح? كما نقل ذلك عنهم الحافظ السيوطى فى الدر المنثور? وهو ما ذهب إليه كل من شيخ المفسرين ابن جرير? والإمام الفخر الرازى? والإمام الجيلانى? والحافظ ابن كثير? والإمام ابن حيان الأندلسى? والإمام القرطبى? والإمام الماوردى? والإمام الصاوى? والإمام البروسوى? والإمام البقاعى? والطاهر ابن عاشور? فى تفسيرهم للقرآن العظيم.
وما أحوجنا إلى تأمل عبارة الإمام القرطبى فى تفسيره للآية? حيث قال: «فينبغى للإنسان أن يكون قوله للناس ل?ِينا?ٍ ووجهه منبسطا?ٍ ط?ِل?قا?ٍ مع الب?ِر? والفاجر? والس??ْنى والمبتدع? من غير مداهنة».
إذن..
«و?ِق?ْول?ْوا? ل?لن??ِاس? ح?ْس?نا?ٍ» تشمل عموم الناس..
السؤال الثانى: ما المقصود بالح?ْس?ن فى القول هنا? أهو م?ْطلق الح?ْس?ن? أم أنه مقصور على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وعرض الإسلام?
الواضح من السياق هنا عموم الح?ْسن وشموله لكل ما يمكن أن يكون حسنا?ٍ? دون تخصيصه بجزء دون آخر? لأن ما سبق هذا الأمر كان به تخصيص لأنواع من المعاملة الحسنة التى تشمل القول والفعل كالإحسان إلى الوالدين وذوى القربى واليتامى والمساكين? فلا يستقيم أن يأتى بعد ذلك أمر عام ي?ْقصد به أمر خاص? وقد ورد النص بقراءتين: «ح?ْسنا?ٍ» و«ح?ِسنا?ٍ»? لتأكيد الأمر والمبالغة فيه? كما قال الإمامان البغوى والبيضاوى فى تفسيريهما.
وعلى ال