هدم جدار الحرية
للصحافة دور تنويري وتثقيفي وتوعوي للعديد من القضايا? خاصة تلك التي تلامس هموم الناس? وتسهم في حل مشاكلهم? والأكيد أن ذلك الدور الجليل ينبغي ألا يكون قائما?ٍ على التعدي على حريات وخصوصيات الآخرين? حتى وان كانوا مسئولين في الحكومة او المؤسسات الخاصة.
ما دفعني للتطرق لهذا الموضوع? هو ما قام به احد الزملاء في احدى الصحف بنشر أرقام الهواتف المحمولة والثابتة لأبرز مسؤولي الدولة والحكومة وقيادات في السلطة المحلية بالمحافظات ورؤساء الأحزاب وبعض الدبلوماسيين? إضافة إلى فاكس رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي? وكذلك هواتف دبلوماسيين أجانب? وذلك في سلسلة من مقالاته التي أصبحت حديث الناس في المقايل والأزقة.
الامر هو الأول من نوعه على المستوى اليمني? وإن كان صاحب المقال قد تقمص دور الصحافي المثير للجدل “جوليان أسانج” صاحب موقع ويكيليكس? لكنه بدلا?ٍ من أن يفضح الفساد اينما وجد في هذه المؤسسة أو تلك? ذهب لإفشاء أرقام هواتف شخصية? لأفراد?ُ اليوم هم في الوظيفة العامة وغدا?ٍ سيغادرونها? لكن بالتأكيد أن مطاردة المتصلين بهم لن تتركهم لحالهم.
وان جاء النشر على صيغة التعريف بالوصول الى اولئك المسئولين? إلا انه ق?ْصد من خلاله التضييق على حرياتهم الشخصية? فالهاتف هو ملك شخصي للفرد? ولا دخل للمؤسسة او الوزارة التي يقودها به? فالأرقام الثابتة الخاصة بتلك المرافق وفكساتها? هي التي تهم المواطن الذي يحتاج لإيصال شكواه لمقر العمل? لا ان تكون ارقام الشخصية مستباحة .
لا اعتقد ان فيما قام به –الزميل الناشر لتلك الأرقام- أي فائدة? فالمسئول ليس عاجزا?ٍ عن تغيير رقمه متى ما رأى أنه أصبح مستهدفا?ٍ من متصلين يشبعونه سبا?ٍ وشتما?ٍ? وهو لا يعرفهم? وقد يؤذونه بالاتصال به في اوقات متأخرة من الليل او حتى تجيب عائلته على الرقم المتصل.. إن تلك الارقام أصبحت متداولة? ليس فقط عبر تلك الصحيفة? او المواقع الإليكترونية? بل أصبحت سلعة لدى الباعة المتجولين? حتى وصل سعر نسخة التصوير ب100 ريال.
هل الحرية أن ا?ْفشي رقما?ٍ أعطانيه يوما?ٍ أحد المسئولين لأي دافع كان? فإذا ما اختلفت معه? جعلت رقمه سلعة تباع وتشترى في الأسواق.. أعتقد أن ذلك لا يتفق مع عادات اليمنيين? التي تجعل كل واحد منا يستأذن صاحب الرقم قبل أن يعطيه للآخرين? فما بالنا ونحن نتعدى على حقوق الاخرين في أن ينعموا باستعمال هواتفهم دون أي مضايقات.
اعرف ان المسئول ليس شخصية عادية? بحكم المسئولية التي تولاها? واقدر حرص الجميع توصيل شكاويهم إليه? ولكن ذلك لا يتم إلا عبر القنوات التي يحددها المسئول نفسه من خلال تحديد ارقام مكتبه والفاكس أو الايميل الذي يجب عليه ان يتقلى تلك الشكاوي عليه? اما ان نسلك طرقا?ٍ ليست صحيحة? لإيصال رسالة لكل الناس مفادها: هذا رقم المسئول الفلاني? اشغلوه? جننوه? لا تجعلوه يرتاح أو يستقر بين اهله وذويه.
اذا كان الانسان العادي يحب أن يحتفظ برقمه ولا يعرفه إلا الخاصة به? خوفا?ٍ من الازعاج والمضايقات? فما بالنا بأصحاب تلك الأرقام? وان كان الكاتب قد عنون مقاله الذي احتوى تلك الارقام ب: هدم الجدار? فإننا نقول له فعلا?ٍ صدقت فقد هدمت جدار الحرية والخصوصية? لقد هدمت جدار الثقة والأمانة التي ائتمنك عليها اصحاب تلك الارقام.
انا لا ادافع عن اصحاب الارقام بمسمياتهم الشخصية? ولكني ادافع عن حريتي وحريتهم وحريتكم? في أن يكون لنا حيز من الخصوصيات? لا يتطفل عليها أناس لا نعرفهم? ما ان نرد عليهم حتى يباغتوننا بكيل من الالفاظ التي تجعلك تلعن من أعطاه الرقم.
الحرية الصحافية لا تجيز لنا بأي حال من الاحوال التعدي على حريات الآخرين? فما لا احبه لنفسي ينبغي ألا ارتضيه لغيري? مصداقا?ٍ لقوله صلى الله عليه وسلم: ” لا يؤمن احدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه.. أما اذا أقرينا بهذا السلوك? ولم نعترض عليه? فغدا?ٍ ستنشر الارقام المنزلية والعائلية للمسئولين وللعامة? في تخط?ُ معيب لعاداتنا وأعرافنا وتقاليدنا.
.أستاذ مساعد بجامعة البيضاء
الثورة