الأسر اليمنية المنتجة .. حراك اقتصادي تنموي لتعزيز الإنتاج المحلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي

شهارة نت – استطلاع

تسهم الأسر  اليمنية المنتجة بشكل كبير في التغلب على الظروف القاهرة التي فرضها العدوان، وما رافق ذلك من حصار وانقطاع الرواتب ونقل البنك المركزي. من خلال مشاريعها الصغيرة والمتناهية الصغر..
استطاعت هذه الأسر أن ترسم ملامح اقتصاد مجتمعي مقاوم، يمثل نواة لانطلاقة اقتصادية سريعة تعكس قدرة اليمنيين على قهر إرادة الأعداء في فرض التجويع على الأسرة اليمنية وتتألق هذه الأسر في كل مهرجان وفعالية، ويعكس تواجدها الجهود الدؤوبة في تطوير وتحسين منتجاتها، مما يبشر بمستقبل مليء بالأمل. في سوق الخميس، يتجلى شعار “الإنتاج المحلي هو الحياة وفخر كبير”، بما يعكس إرادة هذه الأسر في بناء حياة أفضل لأبنائهم وللأجيال القادمة. إن قوة الإصرار والإبداع التي تتسم بها الأسر المنتجة تشكل مصدر إلهام لجميع اليمنيين، وتثبت أن الإرادة الإنسانية تستطيع تجاوز أقسى الظروف.
وفي وجه التحديات، تتسلح الأسر المنتجة بالعزيمة والطموح، وفي “سوق الخميس” بمديرية التحرير في أمانة العاصمة صنعاء، يتجلى مهرجان تفاعلي أسبوعي يتيح للزوار التجول بين خيامه، حيث ينعمون بتجربة تسوق فريدة. ومع كل منتج، يستكشفون قصة مميزة، تتجسد في قطع فنية أو معجنات لذيذة أو مخللات وزيوت ومستحضرات طبية صنعت بأيدي يمنية مليئة بالشغف.
ولأن السوق يعد منصة حقيقية للتعبير عن الطموح والنظرة نحو المستقبل بالرغم من التحديات، كان للصحيفة جولة استطلاعية سريعة في ضيافة عدد من خيامه. وجدنا في كل خيمة قصة ملهمة تعكس الإبداع، ومع كل عبوة من المنتجات لمسنا تجسيداً مبهراً للمثابرة والتفاؤل الذي يتجذر في قلوب كل اليمنيين. ومن بين تلك القصص، نود أن نسلط الضوء على رحلة الإبداع والإصرار. هنا، يتم عرض إبداعات هذه الأسر من المنتجات المحلية، التي تستلهم خاماتها من خيرات الطبيعة اليمنية.
 
مزرعة يومي
من قلب المعاناة، وتحت قيادة المدير محمد مطهر عبدالقادر، انطلقت مزرعة يومي بمشروع شراكة بين مجموعة من الأسر المنتجة والطموحة التي تؤمن بقيم الغذاء الصحي والأمن الغذائي. تتميز مزرعة يومي بالتزامها الصارم بمعايير الجودة، حيث تقدم مجموعة واسعة من المنتجات الطبيعية عالية الجودة، مقدمة للمستهلكين خيارات صحية ومتنوعة.
تعمل مزرعة يومي على تلبية احتياجات العملاء بطريقة طبيعية متميزة. تُغذى الحيوانات في بيئة صحية ممتازة، وتخضع لفحوصات دورية تضمن جودة المنتجات. ومن بين هذه المنتجات:
– حليب أبقار وماعز: يتم حلبه وتجهيزه يومياً لإيصاله طازجاً للمستهلكين.
– زبادي: يُنتج بشكل طبيعي 100%، مما يضمن صحته ونكهته الفريدة.
– اللبنة: مصنوعة بطريقة صحية وطبيعية بالكامل.
– جبن موزريلا وحلوم أريش: تُنتج بدون مواد حافظة باستخدام دهون حيوانية صحية.
– بيض بلدي: يأتي من دجاج مُغذى بحبوب وعلف صحي، خالي من الهرمونات.
– جبنة كريمي: طبيعية 100%، تضيف لمسة مميزة للوجبات.
– مربى فراولة: طازجة وطبيعية، خالية من المواد الحافظة.
– السمن: مستخرج بطريقة طبيعية من لبن الغنم أو البقر.

تقوم مزرعة يومي أيضاً برعاية متكاملة لمزرعة “خرفان وتيوس وعجول”، تتميز باتباع نظام مناعي أقوى، وضمان منتجات خالية من السموم والمبيدات. هذا الالتزام بالمعايير الصحية والجودة يعود بالنفع على المستهلكين، ويساهم في حماية البيئة وتعزيز الصحة العامة.  مزرعة يومي تمثل تجربة غذائية صحية، وتعتبر مثالاً حياً على النجاح المحقق من خلال العمل الجماعي، والشغف، والتفاني في تقديم الأفضل.
 
“درر بلادي”
بدأت وفاء الشرفي، الشابة الطموحة، رحلتها نحو النجاح منذ سنتين بعد تخرجها من كلية الزراعة. بدعم من والدها، أطلقت مشروع “درر بلادي” لإنتاج زيوت بذور التين الشوكي. استفادت وفاء من خبرات المنتجين الآخرين، ودمجت معرفتها الأكاديمية مع التجارب العملية. انضمامها إلى سوق الخميس تحت رعاية مؤسسة بنيان التنموية منحها الفرصة لتوسيع نطاق مشروعها وتعزيز تواصلها مع الجهات ذات العلاقة. طموحها كبير، فهي تسعى إلى تطوير المشروع ومنافسة المنتجات العالمية، مؤمنة بأن نجاحها اليوم هو بداية لمستقبل أكثر إشراقاً.

ثمار العصيمات”
سليمان الوادعي يمثل الأمل لعائلاته وللمجتمع المحلي من خلال مشروع “ثمار العصيمات”، الذي يضم مجموعة من المنتجات المحلية مثل العسل البلدي والبن الخولاني. يُعتبر السوق نافذة لمنتجات الأسر المنتجة من مختلف المناطق، حيث يرى الوادعي في كل منتج تجسيداً لتراث عائلته وتجاربهم الممتدة عبر الأجيال. يحلم بتحويل سوق الخميس إلى سوق دائم يساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي، ويعتبر نجاح مشروعه تتويجاً لجهود المجتمع في تحقيق الأمن الغذائي والتشبث بالتراث.
 
“منتجات كرين”
أم محمد، رائدة أعمال ناجحة، تساهم في تقديم منتجات “كرين” للمنظفات ودهانات البشرة ومغذيات الشعر. اكتسبت معرفتها من احتكاكها بزميلات في المجال، وتعلمت من تجارب عديدة وأفكار دخلت من النت. انتقالها من سوق الأسر المنتجة الدائم إلى سوق الخميس شكل خطوة استراتيجية في تعزيز عملها، حيث تسعى دائماً لتطوير منتجاتها بناءً على ملاحظات الزبائن. طموحها لا يتوقف عند هذا الحد، بل تأمل في توسيع خط إنتاجها ليشمل مزيد من الابتكارات التي تلبي احتياجات المجتمع، وتحسن من دخل أسرتها.
 
“حقائب أحلام”
أحلام العمري، شغوفة بتصميم الحقائب النسائية، استلهمت خبراتها من التدريب على أيدي أخوات يمتلكن خبرة غنية في الصناعة. باستخدام معرفتها المكتسبة من الإنترنت ومن خلال ملاحظات الزبائن، أنشأت علامتها التجارية الخاصة. انتقالها إلى سوق الخميس أتاح لها فرصة أكبر للتواصل مع العملاء، حيث تسعى لتحقيق حلمها في تقديم تصاميم مبتكرة تجمع بين الأناقة والعملية. تحلم بأن تصنع بصمة في عالم الأزياء اليمنية وتعكس هوية وطنها من خلال حقائبها.
 
“رئة الطبيعة”
عبدالحليم هزاع، الذي أطلق مشروعه “رئة الطبيعة”، بدأ عمله في زمن الصعوبات، مستفيداً من خبراته الزراعية ومتابعته لتجارب أصحاب المشاتل. مشروعه يركز على زراعة شتلات الفواكه والنباتات الطبية والعطرية، مما يعزز من رؤية الأمن الغذائي. عبر مؤسسة بنيان التنموية، حصلت منتجاته على فرصة العرض في سوق الخميس، ويفخر بكونه جزءاً من هذا السوق، متمنياً أن يصبح سوقاً دائماً لعرض ما أنتجه. طموحه يزداد يوماً بعد يوم، حيث يسعى لتعزيز ثقافة الاعتماد على الذات وتحقيق الاستدامة من خلال الزراعة.
 
سوق الخميس: منارة للأمل
يمثل سوق الخميس نقطة تجمّع للأسر المنتجة، حيث يجسد تلاقيهم تعبيراً عن الصمود والابتكار. كل يوم خميس، يكتظ السوق بألوان ورائحة المنتجات اليدوية التي أُنتجت بحب وإخلاص. وفي قلب هذه الحركة النابضة، يقف أ. رشاد الفضيل، مدير البرنامج المركزي بمؤسسة بنيان التنموية، ليعرض جوانب من جهود تحسين حياة الأسر اليمنية، موضحاً أن هذه الفعاليات تتخطى كونها تجارة، فهي حركة شاملة نحو تحسين الجودة الحياتية.
يسلط الفضيل الضوء على دور مؤسسة بنيان في دعم المشاريع الصغيرة، مع التأكيد على أن دعمهم بدأ بتسخير الموارد لتطوير المنتجات المحلية. وقد أسست المؤسسة ورش عمل وفعاليات تسويقية بهدف توفير منصة تجمع الأسر المنتجة مع الجهات المعنية لتبادل الاحتياجات والخبرات.
تعكس الجهود المبذولة مدى الأهمية الاقتصادية والاجتماعية لهذه المشاريع، حيث قامت المؤسسة بإجراء دراسات جدوى متعددة لتعزيز منتجات الأسر كإنتاج الملبوسات والألبان. يستعرض الفضيل النجاحات التي حققتها المؤسسة، مثل توعية أكثر من 10,859 شخصاً وتدريب 6,647 أسرة، مؤكداً أهمية دعم 11,844 أسرة في أمانة العاصمة.
لم تقتصر جهود المؤسسة على السوق فقط، بل تعاونت أيضاً مع الهيئة اليمنية للمواصفات لضمان توافق المنتجات مع معايير الجودة. هذه الشراكات تهدف لتأمين قدرة المنتجات المعروضة على المنافسة في الأسواق، مما يعكس الفخر بإنجازات الأسر.
تستمر فرصة التسويق في التوسع، حيث تم إنشاء “جناح صنعت بأيادي يمنية” في سوبر ماركت الجندول، والتنسيق جار لتوسيع نقاط البيع في المواقع الاستراتيجية مثل الأسواق الكبرى والسوبر ماركات يعد ضرورة ملحة. إن العمل على إقناع هذه الجهات بتخصيص رفوف خاصة للمنتجات المحلية ليس فقط سيساعد في زيادة الوعي حول أهمية دعم الإنتاج المحلي، بل سيعزز أيضاً من قدرة تلك الأسر على المنافسة في السوق.

فرص جديدة للنمو والتوسع
في نهاية جولتنا في السوق، أبدى زوار السوق إعجابهم بما لمسوه من جودة وإبداع في المنتجات، معتبرين أن الشغف والعمل الجاد قد مكن هؤلاء الأسر من تجاوز الصعوبات، حيث تواجدت أدوية طبيعية حاصلة على شهادة جودة من الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس، إضافة إلى كريمات ومنظفات وزيوت طبيعية متنوعة اكتسبت ثقة الزبائن.
 شهدت بداية رحلة مشاريع الأيادي المبدعة في اليمن ظروفاً قاسية من العدوان والحصار الاقتصادي، إلا أن انطلاقتها كانت قوية، حيث تجسدت من وسط المعاناة ابتكارات لم يكن لها مثيل. منذ عام 2015، بدأت الأسر المناضلة في تأمين احتياجاتها بعد توقف الرواتب، ليصبح سوق الخميس منبراً لعرض إبداعاتها.
ورغم هذا النجاح، لا تزال الأسر تواجه تحديات، حيث تعتمد معظم منتجاتها على العمل اليدوي وأساليب تقليدية. لذا، يبقى الطموح قائماً لتوفير معامل حديثة تهدف إلى تحسين وزيادة الإنتاج. يمكن لمؤسسة بنيان، بدعمها المتواصل في التنسيق والتدريب، أن تسهم في تحويل هذه المشاريع الصغيرة إلى شراكات أو معامل متخصصة، مستفيدة من غنى اليمن بالنباتات الطبيعية، خصوصاً أن لدينا أكثر من 5 آلاف نوع من الأعشاب الطبية.

وفي ختام ملاحظاتهم، عبر الزوار عن تفاؤلهم الكبير، مؤكدين أنه بفضل الله ثم دعم القيادة الثورية والسياسية، ستنطلق هذه الأسر عبر سوق الخميس إلى آفاق أوسع، مما يفتح أمامهم فرصاً جديدة للنمو والتوسع.

المصدر/ صحيفة اليمن