الأمن المائي والأمن القومي والحفر العشوائي للآبار
بقلم/ د. يوسف المخرفي *
يعد الأمن المائي جزء أصيل وأساسي وحيوي من الأمن القومي إلى جانب الأمن الغذائي والصحي والصناعي والبيئي والاجتماعي والسياسي والسيبراني.. الخ، سواء وعت بذلك أجهزة الأمن الوطنية أم لم تع ذلك، فالواقع يشير إلى غياب أو قل تدني مستوى الوعي لديها بذلك.
فقد كنا نملك جهازا سمي جزافا بجهاز الأمن القومي وكان جهده في الواقع مسلط ضد الخصوم السياسيين، وتنفيذ الأجندة الأمريكية وعملياتها في اليمن للأسف الشديد. وقد تم حله ودمجه ضمن جهاز الأمن والمخابرات الذي نأمل أن تكون قضية الأمن المائي جزء من مهامه واختصاصاته وأدواره الوطنية.
ونعني بالأمن المائي تأمين حصول جميع المواطنين على نصيبهم واحتياجهم من المياه للاستخدامات والأغراض المختلفة، ويمكن القول أن عبث الحفر العشوائي للآبار قد اخترق جميع أجهزة ومؤسسات الدولة أمام ناظريها جهارا نهارا، وهي مثلنا تشكو كما نشكو، ويمكن تفسير ذلك العبث ضمن أنشطة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وبأيادي يمنية خبيثة.
ومن السذاجة بمكان أن اجهزة الدولة ومؤسساتها ذات العلاقة بالمياه لا تمتلك أي رقم صحيح أو إحصائية دقيقة او حتى تقريبية، يمكن الاعتماد على موثوقيتها لتناول هذه الظاهرة بالدراسة والتحليل، فقد قرأت في يوليو 2002 بمجلة علمية صادرة عن مؤتمر الجمعية الجغرافية اليمنية الذي انعقد خلال نفس الشهر والعام بمدينة تعز ان عدد الآبار الارتوازية بحوض صنعاء بلغ 16 الف بئر، وفي دراسة اكاديمية أجريت العام 2010 اكدت نفس الرقم، وتوقعت ذات الدراسة أن ذلك العدد قد تضاعف، فيما أشارت دراسة حول جغرافية الموارد المائية بحوض صنعاء العام 2020 إلى أن عدد تلك الآبار- وجميعها عشوائية- بلغت نحو 14350 بئر، مما يعني ان قضية الأمن المائي وبالتالي القومي في مهب الريح.
والمتتبع لتهديدات تعرض العاصمة صنعاء للعطش ليندهش أمام عبثية مواجهة التهديد المحتمل او المتوقع، بل والمؤكد ان صنعاء مهددة بالعطش منذ ثمانينات القرن العشرين الماضي، وفي تسعينياته صدر تحذير آخر لخص في أن صنعاء معرضة للعطش، وفي بدايات القرن الحادي والعشرين صدر تحذير ثالث ان صنعاء أول عاصمة في الدنيا تعلن العطش، والمتتبع لأصداء هذه التحذيرات ليصاب بالجنون حين يعلم ان لا إجراء واحد قد اتخذ لوقف هذا الخطر الداهم لا أمنيا ولا مؤسسيا عبر إدارات المياه الفاسدة والفاشلة على اختلافها.
نعم إن مدينة صنعاء التي كانت تغطيها شبكة مياه سطحية من العيون والغيول والآبار اليدوية السطحية التي كانت أعماقها تتراوح بين 40- 60 مترا قد عبثت بها نحو 16 الف بئر ارتوازية تتراوح اعماقها حاليا بين 600 – 1200 متر بدرجة حرارة أرضية تزيد عن درجة حرارة المياه السطحية بنحو 8 درجات، مما يؤهلها لأن تكون مياها حارة قد تسبب الاسهال لمن شربها مباشرة فور ضخها من تلك الأعماق لتضيف تهديدا للأمن الصحي إلى جانب المائي.
يشار إلى ان عدد حفارات المياه الارتوازية(ثاقب البئر) قد وصل عددها في بلادنا إلى نحو 850 حفار، في حين بلغ عددها 8 حفارات في شبه قارة الهند التي تعادل مساحتها عشر مرات مساحة اليمن تقريبا، وفي الأردن بلغ عددها 3 حفارات تحصل على تراخيص تحركها واداء مهامها من الديوان الملكي وجهاز الأمن المائي والقومي فيه.
والمراقب للاجراءات الاخيرة المتبعة في الهيئة العامة للموارد المائية يرى أنها لا تشكل حلا، بل تضاعف المشكلة، بل وتعقدها في ظل عدم تكامل سياساتها وإجراءاتها مع نظم الري الحديثة التي تقلل من الحاجة لحفر آبار جديدة، ومن ضمن مشكلات الهيئة عدم امتلاكها لاحصاءات دقيقة لإجراءاتها العبثية السابقة او العشوائية الأخيرة.
فهل يعد الأمن المائي أمنا حياتيا حقيقيا? وهل يعد جزءا من قضية الأمن القومي?
*أستاذ العلوم البيئية والتنمية النظيفة والمستدامة وتغير المناخ المساعد بجامعة 21 سبتمبر للعلوم الطبية والتطبيقية