أبتي الذي أهوى
لا تعجبوا مني , ولا تندهشوا من خواطر تجتاح قلب ومشاعر ولد نحو والده , فيقال ما بال هذا الولد قد شغلنا بالكتابة عن والده الفقيد وكأنه لم يسبق وأن تعرض أحد لما تعرض له فما أكثر الراحلين وما أكثر الأبناء المفجوعين ?
قد يقال ذلك ولكن من لا يعرف العشق لا يدرك السبب , ليقل كل?َ ما شاء ومن حق كل شخص التعبير عن مكنون صدره بما أراد لكن للعشق لذة ما أدركتها وتذوقت مرارتها إلا بعد الرحيل المباغت لمن عشقته بقلبي وسمعي وبصري .
من عاش عشق والده حيا?ٍ أو حيا?ٍ وميتا?ٍ عرف حجم ما في القلب من شجون كالبحار لو تفجرت لكتبت منها حتى تنضب الأقلام وتتهاوى الصحائف وما زالت المشاعر تتدفق دون انقطاع .
رسالة أوجهها إليك أيها العظيم :
إليك يا أعظم رجل عرفته وعشت في كنفه : كم أشتاق إليك , إلى حضنك الدافئ , إلى دلالك الوارف , إلى أمانك الحصين , إلى دعائك الوثيق , إلى قلبك الواسع الكبير , وحتى إلى مزحاتك اللطيفة وتعليقاتك الرائعة , ولا أخفي شوقي ل?ح?ِن?ِق?ك?ِ , أحس بفراغ كبير بعدك , آه?ُ كم أعشق اسمي حين يقترن باسمك , آه?ُ لو تعلم كم أهواك .
أبتي : إشتقت إليك كثيرا?ٍ وما من سبيل للوصول إليك , تحدثت مع نفسي كثيرا?ٍ وساءلتها :
من أين لي بريق كبريق عينيك ? وبهاء ابتسامة كابتسامتك ?
من أين لي وجه ملائكي كوجهك ? ومن يدعو لي بدعاء كدعائك ?
أسئلة حائرة في مواجهتها أسأل الله العلي القدير أن يواسي مصابنا ويخفف آلامنا ويسعد قلوبنا .
ها أنا أتوقف متجشما?ٍ مقولة الراثي :
مات الحنون الذي في الرفق أسوتنا
والصبر شيمته من أفضل الشيم
وكيف يلتئم الجرح العميق وقد
رحلت عن هذه الدنيا فوا ألمي
فالعين تدمع والقلب الحزين بكى
أنت العظيم ورب العرش ذو كرم
والحمد لله حمد الشاكرين له
بفضله فهو ذو الإنعام والنعم
أيها الأب النادر في زمن ندرة عون الوالد للولد : رحيلك عني كان رحيلا?ٍ قهريا?ٍ أعجز عن الوقوف في وجهه فمن يقف أمام الموت أو يملك حق الإعتراض على مشيئة الله ?!! لكنك مازلت في قلبي أعظم رجل في هذا الكون .
غيض?َ من فيض تعاليمك :
أعجز عن تدوين ما تعلمناه منك , فما تعلمناه أكثر من أن يحصى , كيف لنا أن نحصي تعاليمك وقد كنت المدرسة والجامعة والأكاديمية التي تنفق العلوم بلا حساب ? لم ت?ْل?ِق??ن??ِا دروس الحياة ومبادئ الم?ْثل وقيم الحياة وفضائل الشريعة بل تشر??ِبناها من تعاملاتك وسلوكك وممارساتك الكثيرة وسأسرد منها رؤوس أقلام تأص??ِلت فينا من معين نبعك الدافق فاعذرني إذ أحصر غيض فيضك في هذه الرؤوس :
· ع?ِل??ِم?تنا الصبر والتحدي في الحياة من أجل لقمة العيش الكريمة بعرق الجبين الطاهر الباحث عن المال الحلال الذي ت?ْغذ??ي به نفسك وعيالك .
· ع?ِل??ِم?تنا الإعتماد على النفس دون الحاجة لانتظار الآخرين وعلمتنا الثقة بالنفس لاقتحام الصعاب متوكلين على الله فحياتك كلها جهاد وكفاح من طفولتك وحتى بلوغك الخامسة والستين من العمر , لم يقف في طريقك شيء , ثقتك بنفسك وبالله كانت أعظم من أن تنهار أمام صعوبة الحياة وشظف العيش وقلة ما باليد .
· ع?ِل??ِم?تنا معنى التسامح والتعايش وهل حمل هذين المعنيين قولا?ٍ وفعلا?ٍ , سلوكا?ٍ وممارسة كما كنت وكان ص?ن?و??ْك سيدي حجة الإسلام مولاي الحسن بن قاسم , فأنت من لا يختلف عليه اثنان من جميع الطوائف والجماعات والمذاهب والعشائر والق?ْبل ?
· ع?ِل??ِم?تنا حب الناس دون تمييز أو تفريق , وعلمتنا ألا ب?ْغ?ض?ِ ولا عداوة ولا كراهية حتى وإن أساءوا , أكاد أجزم بأنك وطوال حياتك لم تحمل في قلبك ضغينة ولا بغضا?ٍ ولا ك?ْرها?ٍ لأحد , قلبك عاش ومات أصفى وأنقى قلب م?ْذ ولدت حتى رحلت .
· ع?ِل??ِم?تنا قيمة الحب والحنان والعطف والرحمة والشفقة والعفو حين مث??ِلت هذه القيم العظيمة والأخلاق العالية في تعاملك مع الناس جميعا?ٍ , في حبك الأطفال , في مواساتك الفقراء والبؤساء والأيتام والمحتاجين , في حنانك ورحمتك بالحيوان .
· ع?ِل??ِم?تنا معنى صلة الرحم وحب الرحم وما تعنيه الرحم , وهل وصل أحد?َ رحمه كما وصلت رحمك ? حاشا .. أجزم بأنه لا منافس لك في هذا المضمار .
· ع?ِل??ِم?تنا معاني البذل والعطاء , الكرم والسخاء , هذه الفضائل التي لازمتك طوال حياتك , هذه المكارم التي تملكت الحق الحصري في امتلاكها طوال حياتك , ولم ينافسك فيها كريم ولا سخي .
· ع?ِل??ِم?تنا معنى الأمانة حين جس??ِدتها في عملك سلوكا?ٍ خالدا?ٍ تتحدث عنه الأجيال وترويه لأبنائها على مر?? الزمن , فلا أحسب عاملا?ٍ مثلك مكث في عمله أكثر من ثلث قرن من الزمان والأموال بين يديه وحين يغادر عمله يقول لرب العمل بلسان الواثق من نفسه : لا أطلب منكم السماح على شيء أخذته لنفسي , ولكن على ما أنفقته من أجلكم أو أعطيته لأبنائكم .
يا أعظم أب : سام