يستحوذ البنك المركزي بصفته هذه على وظيفة إدارة السياسة النقدية كأحد أهم مرتكزات السياسة الإقتصادية على مستوى الاقتصاد الكلي للدولة.
وفي سبيبل إنفاذ السياسة النقدية، تلجئ البنوك المركزية إلى استخدام عدد من الأدوات والاستراتيجيات النقدية أبرزها عمليات السوق المفتوحة بأشكالها المختلفة، وتحديد مقدار الاحتياط الإلزامي الذي من شأنه التأثير على مستوى النشاط الإئتماني للبنوك التجارية.
وتتمثل غاية السياسة النقدية- القائم على صياغتها وتنفيذها البنك المركزي- في تحقيق الاستقرار النقدي من خلال التحكم بحجم العرض النقدي الدائر في الاقتصاد توسعاً وانكماشا.
كما يضطلع البنك المركزي بمهمة إدارة سياسة سعر صرف العملة الوطنية وتحديد نظام سعر الصرف المتبع في إطار السياسة الاقتصادية للدولة، واختيار الأدوات النقدية الناجعة لضمان تنفيذ تلك السياسة، ناهيك عن إدارة الاحتياطات الرسمية اللازمة من العملات الأجنبية لتسوية المدفوعات الدولية.
وتؤدي زيادة العرض النقدي في الإقتصاد وتدهور سعر صرف العملة إلى ارتفاع مستويات التضخم وتضاءل القوة الشرائية للعملة الوطنية، وهذا يعني زيادة مستوى الأسعار وتفاقم الوضع الاقتصادي العام.
وفي ذات السياق، يتولى البنك المركزي وظيفة تطوير أنظمة الدفع وإدارة الإصدار النقدي من خلال طباعة وتخزين واصدار العملة الوطنية، وتوفير الغطاء النقدي اللازم للإصدار متى اقتضى الوضع الاقتصادي ضرورة لذلك.
ويمثل الإصدار النقدي للعملة الوطنية مظهراً بارزا من مظاهر سيادة الدولة التي لا تحتاج لممارسته إلى الاستناد لأي شرعية دولية مزعومة؛ إذ من شأن ذلك المساس بسيادتها الوطنية المستمدة من داخل الوطن لا من خارجه.
فطباعة العملة وتخزينها وإصدارها من صميم السلطان الداخلي للدولة تمارسه من خلال بنكها المركزي المسند إليه قانونا تلك السلطة النقدية، وفقاً للضوابط والقواعد النقدية المتعارف عليها.
ويتعين على البنك العمل على حماية العملة الوطنية من التزييف ومراقبة كمية النقود الدائرة في الاقتصاد؛ لما لذلك من أهمية في تحقيق الوظيفة الأساسية للبنك المركزي المتمثلة في إرساء دعائم الاستقرار المالي. ومتى ما فقد البنك المركزي القدرة في السيطرة على القاعدة النقدية من خلال فقدان القدرة على إدارة الاصدار النقدي تحول البنك إلى طالب للسيولة بعد أن كان الرافد لها، ناهيك عن الآثار الكارثية الأخرى المترتبة على ذلك.
بالإضافة إلى تلك الوظائف الهامة يضطلع البنك المركزي بمهام أخرى لا تقل أهمية عن غيرها، وذلك باعتباره بنك الحكومة وبنك البنوك والقائم بأعباء الرقابة على حسن سير وأداء النظام المصرفي على المستوى الوطني، فضلاً عن حاجته الضرورية إلى القيام بمهام ذات طبيعة إحصائية تتصل بواقع ومؤشرات الاقتصاد الكلي التي من شأنها تمكين البنك من الاضطلاع بوظائفه المختلفة على النحو اللازم.
ويتعين على البنك الالتزام بمبادئ الاستقلال والمساءلة والشفافية في أداء وظائفة؛ ضمانا لقيامه بالمهام المنوطة به على النحو الذي رسمه قانون إنشاءه والقوانين الأخرى ذات الصلة.
ولمحورية الدور والوظائف المفترضة للبنك المركزي على الصعيد الاقتصادي، تمعن قوى وأدوات العدوان في استهداف البنك المركزي والعملة الوطنية من خلال طباعة العملة وإصدارها وضخها بكميات كبيرة على نحو متكرر، بعد أن عمدت إلى استنساخ البنك المركزي من صنعاء إلى عدن؛ تنفيذا لتوجيهات السفير الأمريكي، بعد تهديداته للقوى الوطنية في صنعاء بنقل البنك المركزي إلى عدن.
وقد ألقى ذلك بتداعياته على ركائز الإقتصاد بفعل ما نجم عنه من آثار من شأنها المساس بمقومات الاقتصاد بشكل عام، وبالبنك المركزي- نظراً لدوره المحوري في الإقتصاد- بشكل خاص.
كما أسفرت طباعة العملة المتكررة بدون غطاء نقدي- من قبل ما يسمى بالبنك المركزي في عدن- عن تدهور القوة الشرائية للعملة وارتفاع مستويات التضخم وإنهيار سعر صرف العملة وارتفاع أسعار السلع والخدمات، كنتيجة طبيعية لزيادة حجم الكتلة النقدية ونفاذ الاحتياطيات الأجنبية اللازمة لتسوية المدفوعات الدولية.
أما عن أداء ما يسمى بالبنك المركزي في عدن بعد استنساخه المزيف فحدث بلا حرج: مضاربات بالعملة وتبديد للاحتياطيات الأجنبية واستغلالها، وطباعة العملة لتمويل عجز ما يسمى بالحكومة، وإغراق الاقتصاد في بحر الودائع والقروض بحجة إنقاذ العملة ومواجهة متطلبات الإحتياج من السلع والخدمات المستوردة، ناهيك عن عمليات الفساد المستشرية، وغيرها الكثير. وما تشهده تلك المناطق الخاضعة لسيطرة ما يسمى بالحكومة الشرعية خير دليل على ذلك.
ولا تقف دول وأدوات العدوان عند حدٍ في استهدافها للبنك المركزي والعملة الوطنية والقطاع المصرفي إذ أقدمت موخراً على اتخاذ اجراءات تصعيدية تستهدف العملة الوطنية وعدد من البنوك العاملة في المناطق الخاضعة لحكومة صنعاء. وقد تم ذلك بإيعازٍ من قبل دول تحالف العدوان؛ بهدف الضغط على صنعاء لثنيها عن مواقفها المساندة لغزة.
وتتكئ دول وأدوات العدوان على أمرين لنجاح ما أتخذته من إجراءات عدوانية مؤخراً بحق البنوك التجارية والعملة الوطنية، يتمثلان في عدم قدرة البنك المركزي في صنعاء على طباعة العملة الورقية وتوفير السيولة اللازمة لعمل الاقتصاد الوطني والنظام المصرفي في ظل تهلاك العملة الورقية المتداولة حالياً؛ وعلى ما تسميه بالإعتراف الدولي ومساندة دول العدوان- على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية- في الضغط على سلطة صنعاء اقتصادياً، بما في ذلك تجفيف موارد العملة الصعبة اللازمة لمواجهة الاحتياجات الأساسية من الواردات الخارجية من جهة؛
وعلى البنوك التجارية المتواجدة في المناطق الخاضعة لحكومة صنعاء من خلال تقييد قدرة تلك البنوك على القيام بالأعمال المصرفية على صعيد التعاملات الدولية، بما في ذلك قدرتها على استقبال وإرسال الحوالات الخارجية وفتح الإعتمادات المستندية اللازمة لتمويل المعاملات التجارية الدولية، من جهة ثانية.
وفي هذا السياق، يتعين التأكيد على أن صنعاء لم تغفل يوماً عن مخططات دول وأدوات العدوان الرامية إلى استهداف ركائز ومقومات الإقتصاد الوطني إذ تؤكد صنعاء أن لديها من الأوراق ما يكفي لمواجهة وإفشال مخططات دول العدوان وأدواته. وأخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن من الأولويات الملحة على مستوى البنك المركزي في صنعاء استعادة قدرة البنك المركزي وفرض سيطرته على القاعدة النقدية وإدارة الإصدار النقدي وبناء قدراته الفنية والتقنية اللازمة وتعزيز البيئة الملائمة لنشاط القطاع المصرفي.