المواقف الشجاعة لا تنتظر اجماعاً أو اجتماعاً أو مؤتمراً طارئاً ينعقد بعد أكثر من شهر تتباين فيه المواقف ويعفي المتخاذلين عن تحمل مسئولياتهم وترجمة إرادة الشعوب العربية والإسلامية ومواقفها الثابتة ومطالباتها لأنظمتها بنصرة الشعب الفلسطيني ومساندته ودعم صموده في مواجهة المحتل الصهيوني الذي لم يتوقف عن مصادرة الأرض واستهداف الفلسطينيين لأكثر من 75 عاما.
اليوم وفي زمنٍ عزت فيه المواقف وفي الوقت الذي انتقلت فيه الأنظمة العربية من مرحلة خذلان الشعب الفلسطيني إلى مرحلة التطبيع مع إسرائيل، يأتي خطاب قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله، ليؤكد إيمان الشعب اليمني بحتمية نصرة إخواننا في غزة، ويرسم معادلات عسكرية جديدة تتجاوز توجيه ضربات عسكرية على أهداف صهيونية داخل فلسطين المحتلة إلى خارجها، وتحديدا في البحر الأحمر، مؤكداً استعداده التام لمواجهة كل ما سيترتب على ذلك من تبعات.
لم يكن الخطاب الذي ألقاه السيد القائد عبدالملك الحوثي –حفظه الله- خطاباً عادياً ليس من خلال تزامنه مع همجية العدوان على قطاع غزة من قبل العدو الصهيوني المدعوم أمريكيا وغربيا، أو من خلال الموقف الشجاع الذي حملته مضامينه، وإنما من خلال تفرد الخطاب وانتقاله من مرحلة القول إلى مرحلة الفعل، الأمر الذي جعل المراقبين يصنفونه على انه أول خطاب عربي يذهب إلى مستوى واسع من التصعيد العسكري ضد الكيان الصهيوني الغاصب منذ احتلاله لفلسطين.
وإذا ما عدنا لقراءة مضامين الخطاب فسنجد فيه من الرسائل التي تؤكد إن ترجمة شجاعة الموقف لا تتوقف عند حدود إعلان الحرب على العدو الصهيوني ومساندة الشعب الفلسطيني والاصطفاف في خندق الدفاع عن قطاع غزة، بل تؤكد أن موقف الشعب اليمني ودعمه للقضية الفلسطينية ومساندته لغزة موقف ثابت لا يقبل المساومة ولن تكترث قيادته لرسائل التهديد، التي قال الأمريكيين عبرها أنهم وجهوا دول المنطقة بألا يكون لها أي ردة فعل تجاه ما يحدث في فلسطين، لكن الأمريكيين فوجئوا بردٍ مزلزل: “لا تحسبونا معهم، فلسنا ممن يتلقى التوجيهات منكم أو يخضع لأوامركم”.
شجاعة الموقف والخطاب لم تتوقف عند حدود رفع مستوى التصعيد العسكري ضد العدو الصهيوني، بل تجاوزتها إلى مرحلة انتقاد المواقف العربية والاسلامية المحدودة والضعيفة التي ظلت لأكثر من 70 عاما بعيدة عن واقع المأساة الكبيرة التي يعيشها ويعاني منها الشعب الفلسطيني، منتقدا المواقف والقرارات المخزية والمحزنة التي خرجت بها القمة العربية والإسلامية التي حضرتها 57 دولة عربية وإسلامية ولم تخرج بموقف أو إجراء عملي ينتصر للشعب الفلسطيني في قطاع غزة الذي يشن العدو الصهيوني حرب إبادة ويقتل سكانه بدمٍ بارد لإجبارهم على النزوح من القطاع.
وفي الوقت الذي لاقى خطاب السيد القائد تفاعلا واسعا واعتبرته الشعوب العربية تعبيرا صادقا لموقفها الداعم لفلسطين والرافض للاحتلال والعدوان الصهيوني، أكد مراقبون ومحللون سياسيون أن الخطاب وجه ضربة قاصمة لمشاريع التطبيع التي تسير بخطى متسارعة في دول الخليج، مشيرين إلى أن الخطاب سيفتح الباب واسعا وسيدفع الشعوب العربية لإعادة قراءة السياسات التي تنتهجها أنظمتها والمواقف المخزية لحكامها إزاء ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من عدوان وحرب إبادة في قطاع غزة من قبل العدو الصهيوني الذي يشاهدون أعلامه ترتفع على أسطح سفاراته في عواصم بلدانهم.