والدي .. قليل?َ مما افتقدت
من أج?ِل?? نعم الله تعالى علي??ِ أن حباني والدا?ٍ لا نظير له بين الآباء ومن سوء حظ والدي أن ابتلاه الله تعالى بولد عاق??ُ مثلي , فأنت الأب العظيم وأنا الإبن الذي ما عرف قدرك وقيمتك إلا حين افتقدك , وما علم ما كنت له إلا حين غبت عنه , وما تيقن ما كنت تمثله إلا حين رحلت عن عالمه , فكانت فاجعته ومصيبته .
إعتراف متأخر : ما أنا وما أنت ?
أطعتني وعصيتك , أحببتني بلا حدود وجعلت لحبك حدودا?ٍ , إهتممت بي وأهملتك , أكرمتني وبخلت عليك , أعطيتني وحرمتك , رحمتني وقسوت عليك , فض??ِلتني على نفسك وفض??ِلت نفسي عليك , وصلتني وجفوتك , وهبتني ما تملك ووهبتك القليل مما أملك , تقربت مني وابتعدت عنك , أسديت إلي??ِ الجميل وجحدتك , زحفت على ركبتيك حين علمت بخروجي من السجن وتثاقلت عن زياراتك وأنت في حوث , بكيت علي??ِ دما?ٍ واستخسرت عليك الدموع , ما أنا وما أنت ? أين الثريا وأين الثرى ?
أشهد لله وللتاريخ : أنك كنت?ِ كما أ?ْح?ب??ْ وما كنت?ْ كما ت?ْحب , أنت في الحقيقة نعم الأب وأنا بئس الإبن .
آه?ُ لو تعلم حجم المصاب الذي نزل بي والكارثة التي حل??ِت بداري والجرح الذي خل??ِفه فراقك لي , لو تعلم كل ذلك لسامحت عقوقي ودعوت الله يرحمني ويجاوز عن عظيم ذنبي .
أسابيع من الرحيل المؤلم :
ثلاثة أسابيع مر??ِت مذ غادرت روح والدي الطاهرة جسده الشريف لتسكن في ملكوت الله تجاور الأحبة من أنبيائه ورسله وأوليائه وأهله .
ثلاثة أسابيع مر??ِت بثقالتها الغير معهودة حيث الناس يتحدثون عن مرور الأيام مرور الكرام بينما لا أجدها في هذه الثلاثة إلا ثقيلة ثقالة الجبال .
طيف والدي لا يفارقني رغم أني ما عدت أنتظره – كما كنت في الأسبوعين الأولين – فقد أيقنت بعدما راودتني نفسي مرارا?ٍ بأني ربما أعيش كابوسا?ٍ مزعجا?ٍ وفي لحظة ما سأصحو منه , لكني قد آمنت أني أعيش الحقيقة لا المنام .
ثلاثة أسابيع افتقدت فيها حنانك وحبك , ضحكتك وابتسامتك , أنت في الحقيقة والد ما علمت أعظم من أبوته ولا أحنى من حنانه ولا أرأف من رأفته ولا أسخى من سخائه , ولا أ?ْجافي الحقيقة إن قلت : أنت ربما الوحيد الذي لا يختلف عليه اثنان .
ليل والدي :
أعود إلى المنزل وبنفس الطريقة أتوجه صوب غرفة والدي لألقي نظرة عليه وأر?ْد??ْ السلام وأ?ْط?ِم?ئ?ن?ِه?ْ بأني قد عدت ليستريح متناسيا?ٍ عدم وجوده .
ويأتي المغرب وإذا بي أقوم بفرش السجادة في الصالة حيث كنا نصلي سويا?ٍ المغرب والعشاء فأتذكر أن الوالد قد رحل فألفها بصمت وهدوء .
يأتي وقت تناول الع?ِش?ِاء فنتوجه جميعا?ٍ صوب المائدة وكلنا حيارى من هول فقد الحبيب ومن لقمة إلى أخرى نجد ألا رغبة في تناول الطعام فشهيتنا رحلت مع رحيل الوالد , وفجأة نتذاكر أنا وأولادي : هنا كان أبي يجلس وعلى هذه الوسادة كان يرتزح .
أمضي الليل في غرفته , في نفس المكان الذي كنت أقضي الليل إلى جواره , نتناول وريقات القات ونتجاذب أطراف الحديث وتحلو ابتسامة والدي حين أقول لوالدتي : أمورك ثابتة , وتزداد ابتسامته حين أقول لها : ما عاد به مرتاح إلا أنتي وباسندوه . وظل يبتسم من هاتين المقولتين حتى الأسبوع الأخير , وهو على فراش المرض كنت أستجدي ابتسامته بترديدهما فأنالها .
أغادر غرفته الليل فلا أجد من أ?ْود??ع , لقد ح?ْرمت من دعواته عند الوداع : الله يحفظك ويعافيك ويصح بدنك ويحجب عنك .
الله .. ما كان أحلى دعواته وما أروع معانيها وما أعظم أحاسيسي بالقيمة التي تمثلها , كان يتهيأ لي بأني لو دخلت من ضفة بحر لخرجت من الأخرى وأنا أمشي عليه مشيي على الأرض .
في سورة الكهف الأسى :
لست الوحيد الذي ح?ْرم هذه الدعوات فكل من عرفه ح?ْرم منها وما يواسيني هو قول الحق جل وعلا في سورة الكهف حكاية عما حدث للخضر وموسى عليهما السلام : ” وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز?َ لهما وكان أبوهما صالحا?ٍ فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك ” فأضع نفسي في مقام الغلامين وأبي الصالح في مقام أبيهما الصالح فأثق أن الله تعالى سيباركني وإخوتي ويحفظنا بأبينا الصالح التقي .
أبتي : يا من رحلت إلى بعيد .. يحلو لي كأقل القليل ترداد أبيات العلواني إدريس:
أ?ِب?ِت?ي و?ِم?ِا أح?ل?ِى الن??ـــــد?ِاء?ِ م?ْع?ِطـ??ِرا?ٍ
ب?ه?ِـــوى و?ِق?ِل?ب?ــي ف?ي ه?ِـــــو?ِاك?ِ أ?ِسير?ِا
أب?ِت?ي و?ِه?ِـــل? ف?ي الع?ِال?ِم?ين?ِ ق?ِص?يـــد?ِة?َ
أ?ِو?ف?ِـــت? ب?ف?ِض?ــل?ك?ِ ?في الأ?ِن?ِـام? ي?ِس?ير?ِا
أ?ِنا?ِ ك?ْل?م?ِا اس?ت?ِف?ت?ِح?ت?ْ ف?يك?ِ ق?ِص?يـد?ِة ?ٍ
ي?ِن?ص?ِاع?ْ س?ِه?م?ي ف?ي الب?ِي?ِــان? ك?ِس?ير?ِا
و?ِت?ِج?ــف?ْ في ق?ِل?ِم?ــي الم?ْع?ِن?ـى ن?ِخ?ـو?ِت?ي
ف?ِأ?ِظ?ِــــــل??ْ ي?ِــا أ?ِب?ِت?ي الك?ِب?يــــر?ِ ص?ِغ?يرا
أبتي ف?ِذ?ِر?ن?ي ك?ِي? أ?ِخ?ْـــط??ِ ق?ِص?يـــد?ِة?ٍ
ف?ِل?ِع?ِل??ِه?ِـــا ز?ِه?ـــــر?ْ الو?ِف?ِـــــــاء?