أحبك .. بل أعشقك
خواطر ابن حزين
ما زلت أنتظر عودتك , لكأني أعيش كابوسا?ٍ مزعجا?ٍ وأتمنى أن أصحو منه لأتوج??ِه نحو غرفتك فأجدك أمامي كما هي العادة , تبتسم , تحييني كعادتك , تسألني : كيف كانت ليلتك ?
فأجيبك فرحا?ٍ مسرورا?ٍ : الحمدلله كنت في كابوس وها قد تبخ??ِرت ملامحه .
لا أعلم لماذا تقودني قدماي باستمرار للوقوف أمام باب غرفتك ألقي نظرة على سريرك أتفق??ِدك وأرد السلام عليك وأسألك : كيف أصبحت يا أبي ?
وحين لا أجدك يجول بصري ذات اليمين وذات الشمال عل??ي أجدك في زاوية من زوايا الغرفة أو على سجادتك تصلي وتناجي مولاك .
وحين لا أراك تتجه بي قدماي نحو المجلس فلا تمطر عيناي مكانا?ٍ بالنظرات سوى تلك الز?ْو??ِة التي كنت تعشقها ولا تحب سواها ولا ترغب المكوث في غيرها .
وحين أفتقدك فيها يجول بخاطري أنك ربما دخلت الح?ِم??ِام فأت??ِجه نحوه وأقف عنده منصتا?ٍ لعلي أسمع صنبور المياه أو صوته فلا أسمع صوتا?ٍ ولا يوجد في الحمام أحد .
يتبادر إلى ذهني بأنك ربما خرجت الحوش لتتمش??ِى فأتحرك صوبه وحين أقف في الناصية الشمالية الشرقية للبيت أرمق الزاوية الجنوبية الشرقية من الحوش – المكان الذي كان يحلو لك المكوث بها فلا أرى إلا فراغا?ٍ .
وحين أفقد الأمل أحد??ث نفسي بأنك ربما خرجت حوث دون علمي أو تناسيت أنك خرجتها بعلمي ولكن الكابوس قد أث??ِر على ذاكرتي فما ع?ْدت أستوعب ما حدث .
أتوقف مستجمعا?ٍ ذاكرتي وقواي فأعود إلى غرفتك وأمامها تقبضني الك?ْربة فتغرق عيناي بالدموع وأجهش بالبكاء وأستذكر الكابوس قائلا?ٍ : هنا كان أبي مريضا?ٍ وعلى هذا السرير دخل في غيبوبة وفي منتصفه جلست أرقب خروج الروح الطاهرة ظهيرة الخميس التاسع عشر من شوال .
لقد مات أبي وشاركت في دفنه هذه هي الحقيقة التي لا مناص عنها وما من سبيل سوى التسليم وتصديق ما حدث .
لقد سلمت لأمر الله ورضيت بحكمه ونزلت عند مقتضى أمره , تلك سنة الله تعالى في خلقه لكن ألم المصاب وهول الفاجعة لم يفارقاني بعد .
أبتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي :
أبتي .. كلمة تلوكها شفتاي , مرسومة في أعماق قلبي تنير دربي تضيئ أفقي , أخطو نحوها وتخطو نحوي .
أبتي .. إليك سلام من قلبي دون كلام , إليك وجهي ينحني بتقدير واحترام , أنت في نظري أنقى من بدر التمام وأعلى من أبراج الحمام , وبين ذراعيك كل الأمان من خوفي ومن غدر الزمان .
أبتي .. بك أفتخر , بقلبي حبك مكتمل , أحب نظرة عينيك نحوي , أعشق بسمة شفتيك لي , أحب دوما?ٍ فخرك وإعجابك بي , أعشق حبك لثقتك بي .
أبتي .. لا أجد من الكلمات ولا الصفات ما يعطيك حقك وما يصف حبك في قلب ولد عاق كنت له مأوى وملجأ وقدوة .
أحبك .. أعشقك :
أحبك يا أبتي .. هل سمعت هذه الكلمة مني يوما?ٍ ?
هل سبق لي وأن قلتها لك من قبل ?
أعترف بأنه لم يسبق وأن قلتها لك ولم تسمعها مني وهذا ما يؤلمني ويحز في نفسي , معاتبا?ٍ روحي يا ليتني ظللت أترنم وأتغنى بها .
ها أنا اليوم أعلنهـــــــــا ظاهرا?ٍ وباطنا?ٍ .. (( أحبــــــك يا أبـــــــــتي بل أعشقك )) .
ولكــــن … ما الفائدة منها وأنت تحت التـــــراب ?! إنها كـــصدقة الفطر بعد العيد مالها من ثواب ..!!
أبتي وحبيـــــبي : ضياع?َ هو فقدانـــك ? خسارة فراقك , ألم?َ وفجيعة مصابي بك , مستحيـــل نسيــــانك .
أبتي وقدوتــــــي : فخري أنك والـدي ? وفخر أخوي??ِ وأخواتي أنك أبوهم , وفخر أمي أنك بعلها , وفخر الجيران أنك كنت نعم الجار , وفخر من جالسك أنه عرفك .
يكفيــــني فخـــــر?ٍا أنك أنت أبي (( المؤمن الصابر المبتلى العطوف )) .
أبتي وصديقــــي : غ?بت?ِ عني فــــــغاب الحنان ? وغاب الأمن والأمــان , لكن أساي إيماني بأنك حبيب الله ووليه .
أبتي ورفيــــقي : رحلت?ِ فرحل?ِ عنا قلبك الصافي ? وحنانك الدافي .
أبتــــــــي يا أغلـــــى من أحببت : مازلـــت في صدمــة !! هل غـادرتنا حق?ٍـا ?!! هل فارقتنــا صدق?ٍــا ?!! هل سألمحك ولو من بعيـــــــــــــــــــد ?!! أم أنني لـــــــــــــــــــــــــــــــن أراك من جديـــــــــــــد ?!!
صمت?َ يعم المكـــــــــــــــان ? حزن?َ يسكن الوجـــــــــــــدان ? ودموع تنساب على الخدود تعلن الحرمان .
أبتي الحنون : مازلت ألمح طيفك المتلاشي , يعزيني فيك مصابي بجدك المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ويقيني أنك ترتع في رحمة الله .
أبتي الذي لا يعوضه شيء : في حياتك كنت أعتبر نفسي رجلا?ٍ ليس بحاجة لأحد سوى خالقه , وبعد فقدك اكتشفت أني يتيم وعرفت معنى الي?ْت?م? وقد وصلت الأربعين .
درس من طفلتي رحاب :
طفلتي رحاب .. كان أبي يحبها بلا حدود , فلا يسمح لأحد بأذيتها أو تعنيفها أو حتى تكليفها بعمل , إنها كما يقول (( شفيقة قلبها مملوء بالرحمة )) وهي كذلك حيث تمتلك من الرحمة والمحبة والشفقة والحنان ودوافع الخدمة ما لا تمتلكه الأخريات من أخواتها وبنات عمها وعماتها ,