حلف الفضول هو الحل
لا تستطيع مصر أو اليمن أن تحتملا طويلا استمرار الحرب الأهلية الباردة الدائرة على أراضيهما بين قبائلهما السياسية التى باتت أخطر معوقات إقامة نظامهما الجديد.
وأرى لذلك حلا يتمثل فى استدعاء صيغة «حلف الفضول» عل?ها تخرج البلدين من المأزق.
(1)
أكاد أرى تشابها بين الحاصل فى مصر واليمن بعد الثورة وبين حروب ملوك الطوائف فى الأندلس قبل أكثر من ألف عام.
ذلك أنه حينذاك (عام 422 هجرية) أعلن الوزير أبوالحزم بن جهور سقوط الدولة الأموية? فتسابق أمراء الولايات على إقامة ممالك مستقلة لهم مستفيدين من ثراء الخلافة وانفراط عقدها.
وكانت النتيجة أن قامت على أرض الأندلس 23 دويلة تحول التنافس بينها إلى تنازع واحتراب. وقد استمر ذلك الصراع بين الأشقاء? وطال أجله فى الوقت الذى كانت فيه جيوش الفرنجة فى الشمال تتربص بهم? تحت قيادة الملك ألفونسو السادس وزوجته إيزابيلا? الصراع أضعف ملوك الطوائف? الذين حاول بعضهم الاستقواء بالفرنجة ضد أشقائه. وانتهى الأمر بهزيمة الجميع وسقوط الأندلس فى أيدى الفرنجة.
من المصادفات أن عدد الدويلات التى قامت فى الأندلس بعد سقوط الدولة الأموية (22 دويلة) قريب من عدد الأحزاب والجماعات السياسية التى تبلورت بعد سقوط النظامين السابقين في مصر واليمن فى أكثر من 20 حزبا مع بعض الفارق في حالة اليمن لوجودها الديكوري في ظل الرئيس السابق صالح .
وإذا كان ملوك الطوائف تقاتلوا فيما بينهم بالسلاح? ومنهم من حاول الاستقواء بالفرنجة? فإن الصراع فى مصر واليمن بات يدور فى ساحة الإعلام? التى هى أقوى تأثيرا? ومن بين زعماء طوائفنا السياسية من لجأ إلى الاستعانة بفلول النظام السابق في حال البلدين لكى يرجح كفته فى مواجهة المنافسين? وكان ذلك واضحا فى انتخابات رئاسة الجمهورية بالنسبة لمصر والدور قادم على اخواننا في اليمن? وشهدناه فى سعى بعض الأحزاب الجديدة إلى جذب عناصر الحزب الوطنى سيئ الذكر ومثله سيكون في اليمن.
من الفروق المهمة بين التجربتين أننا عرفنا ما الذى انتهى إليه الأمر فى الأندلس? لكن اقتتال الطوائف عندنا وفي اليمن لا يزال مستمرا ولا نعرف له نهاية? وإن كانت خبرة التاريخ تدلنا وتحذرنا من النهاية التى تؤدى إلى هزيمة الجميع وضياع الوطن.
(2)
إذا اقتربنا أكثر من تفاصيل الواقع المصرى فسنجد أن علاقات القوى السياسية تعانى من مشكلتين أساسيتين? الأولى تتمثل فى أزمة الثقة سواء بين الأحزاب بعضها البعض? أو بين التيار العلمانى والتيار الإسلامى. وهى الأزمة التى ولدت سوء ظن كل طرف بالآخر? أما المشكلة الثانية فتتمثل فى غياب الإجماع الوطنى حول القضايا الأساسية? حتى بدا وكأن ثمة خلافا فى أصول المشروع الوطنى وليس فى فروعه. وهو ما تبدى فى الخلاف حول هوية الدولة ذاتها? وهل تكون دينية أو مدنية.
فى تتبع جذور الأزمة سنكرر ما سبق أن قلناه من أن النظام السابق حين دمر القوى السياسية وأصابها بالإخصاء والإعاقة? فإنه لم بينها وبين المشاركة فى الشأن السياسى فحسب? وإنما حرم تلك القوى من أن تعمل مع بعضها البعض? الأمر الذى أثر بالسلب على الثقة والمعرفة المتبادلة. وفى غيبة ثقافة الممارسة الديمقراطية لم يكن غريبا ولا مفاجئا أن يتوجس كل طرف من الآخر? وأن تصبح شيطنة كل منهم إزاء الآخر هى الأصل والأساس. وما عرضته فى الأسبوع الماضى نموذج لذلك? حين بينت أن نصيب الأوهام من مخاوف الأقباط فى الوقت الراهن أكبر بكثير من حصة الحقائق. والحاصل بين الأقباط والمسلمين ليس مختلفا كثيرا عن الحاصل بين القوى السياسية المختلفة? إذ الفجوة واحدة وغربة كل طرف عن الآخر أيضا واحدة.
ليس ذلك كل ما فى الأمر? لأن حروب الطوائف السياسية المصرية واليمنية تأثرت بعاملين مهمين? هما: فتنة القسمة بين الدينى والمدنى ــ وخطاب التيارات الإسلامية الذى أصبح يشكل عقبة دون تحقيق التوافق المنشود والثقة المرجوة.
لا أعرف من الذى أطلق شرارة الفتنة? لكنى أجد القسمة بين الدينى والمدنى من الخطورة بمكان. من ناحية لأنها أقحمت الهوية الدينية فى الصراع السياسي? فى حين يفترض أن محور الخلاف هو الرؤية السياسية.. ومن ناحية ثانية فإن القسمة اختزلت أزمة الثقة وعبرت عن سوء الظن? فعبرت مقدما عن تقدير القوى المدنية وتصويرها بحسبانها طليعة التقدم? وأوحت بتصنيف القوى الدينية باعتبارها نقيض ذلك وهى إلى التخلف أقرب..
وذلك تقسيم مشكوك فى براءته ومطعون فى صوابه من الناحيتين النظرية والعلمية.
سوء النية واضح فى صياغة المصطلح? الذى يمثل دعوة مبطنة إلى إضفاء الجاذبية والإشراق على طرف? وحث على النفور والانفضاض من حول الطرف الآخر.
فى الوقت ذاته فالمصطلح مغلوط من الناحية النظرية لأن ما هو مدنى بمعنى أنه مؤسسى وموكول إلى إرادة البشر يمكن أن تكون له مرجعيته الدينية كما يمكن أن يكون له جذوره العلمانية? والحضارة الإسلامية بكل جلالها وثرائها كانت لها مرجعيتها الدينية.
كما أن نظام الوقف? الذى هو ابتكار إس