لعله أنت.. رواية إماراتيه تدين الصمت
لا ي?ْدرك المرء تطور أساليب السرد إلا بمتابعة كل جديد.. وفي وطننا العربي هناك مشقة كبيرة تواجه القارئ تتلخص في عدم وجود ما يريد من الإصدارات التي يرغب بقراءتها.. وتبدأ المشكلة من دور النشر التي لا تمارس ما يجب عليها من نشر وتوزيع للكتاب.. وإن اشتركت بعضها في القليل من معارض الكتاب.. وقد تستغل بعض دور النشر حاجة الكتاب لنشر أعمالهم ..فتطبع تلك الدور النسخ التي ت?ْسلم للمؤلف في الوقت الذي يعتقد المؤلف أن كتابه يوزع ويصل إلى القراء والمهتمين العرب.. أما تلك الأعمال التي تصدرها بعض المؤسسات الأهلية أو الحكومية فهي الأخرى لا تخرج عن دائرة مكاتبها إلا ما يستلمه المؤلف لتوزيعه على أصدقاءه.. وهكذا تموت الإصدارات.. وهكذا يموت كل جديد.
ولذلك يفتقد القارئ المتابع معظم الإصدارات التي يتمنى قراءتها.. وفي مشاركتي الأخيرة في ملتقى السرد بالإمارات.. زرنا مقر إتحاد الأدباء بالشارقة ومنتدى القصة.. وأهدونا عدد من إصدارتهم السردية والنقدية.. ومنها رواية (لعله أنت) لباسمه يونس.. والصادرة عام 2010 عن وزارة الثقافة وإتحاد أدباء الإمارة.
والرواية من القطع المتوسط214 صفحة وزعت على37 عنوان فرعي منها مولودة الليل.. و10 عناوين (مريم) و6 (هلال) و (ناصر) و1 ام مريم و1 صمت و1 خاتمة وقبل كل ذلك هناك 10 رسائل ملتهبة من هلال لمريم و9 رسائل صادة لهلال من مريم.
بمقدور القارئ أن يصف هذه الرواية رسالة حب مشوقة.. ففي تلك الرسائل المتعددة تجلت قدرة باسمة على صوغ ذلك الدفق الوجداني المعبر بين ميونيخ ودبي.. وأن كانت لغة رسائل الشخصين هي لغة واحدة .. في الوقت الذي كان يفترض أن يكون أسلوب هلال مختلف عن أسلوب مريم في صياغة الرسائل.. وهذه إحدى سلبيات تقنية الرسائل التي يستخدمها بعض الكتاب.. إذ يندر أن تجد كاتب يتفوق على نفسه في هذه الطريقة في صياغة الرواية باسلوب الرسائل.
فكرة الرواية أو الموضوع الذي عالجته.. موضوع موغل في القدم( الحب العذري) وسيفاجأ القارئ بأنه قرأ العذري في أكثر من عمل إبداعي.. بل وشاهده في أفلام سينمائية وعروض مسرحية.
والقارئ لهذا الكلام سيقول.. وهل لا يزال في زماننا حب عذري.. أو قد يفكر بأن تلك العلاقة قد تنشأ في أصقاع نائية وسط مجتمعات منعزلة .. في رؤوس جبال اليمن أو مجاهل الصحراء العربية.
وسيفاجأ القارئ أن تلك العلاقة العذرية قد نشأت في دبي بين زملاء يعملون بأحد المصارف.. وأن مؤهلاتهم فوق الجامعية.
الروية بأحداثها المتداخلة وشخوصها المكبوتة تشد القارئ من أول صفحة.. في وقت تلاعبت الكاتبة بتعدد ضمائر الراوي فتارة يسيطر الراوي العليم على مجريات الأحداث بضمير الم?ْخاطب.. مما يجعل القارئ يعتقد بأن شخصيات الرواية في جلسات محاكمة.. وتارة تتحدث الشخصية بلسان حالها ..وتنوع ضمير الراوي يجعل القارئ في تشويق دائم لما لم يصل إليه من نتائج الأحداث ومواقف وصل إليها.
الشخصية الأساسية (مريم) وهي فتاة جامعية أصرت على أن تعمل في أحد مصارف دبي على عكس رغبة والدها وإخوتها الذين كانوا يريدون أن تعمل في سلك التدريس.. حيث المناخ غير المختلط.. ولذلك كانت مريم طوال سنين وظيفتها حريصة على عدم الإنجرار وراء عاطفتها.. حتى لا تعطي والدها وأخوتها فرصة إهانتها واتهامها.
ثم تأتي الشخصية الثانية من حيث الأهمية في الرواية (هلال) زميل مريم في نفس البنك.
تبدأ الرواية بتحرك عاطفة مريم تجاه زميلها هلال.. لكنه لا يبادرها بالكلام رغم ما يحمل له من عاطفة جياشة.. في البداية اعتبرت مشاعرها حب من طرف واحد.. فقررت كبت تلكم المشاعر.. واستعاضت عن البوح بتدوينها في دفتر تخفيه عن الجميع إلا من أختها الصغرى (العنود) التي لاحظت مريم وانشغالها كل ليلة بذلك الدفتر.. تحتضنه كمن تحتضن وليف.. سألتها عما تدونه.. فردت عليها بكلام غير مقنع.
تسير بنا الكاتبة إلى ذلك اليوم الذي أعلن هلال سفره إلى ميونيخ لإكمال دراساته العلياء.. هنا تشعر مريم بقلبها ينخلع.. وأنها بالفعل لا تستطيع الاستغناء عنه.
يغادر دبي.. وعد أسابيع تصلها رسالة من ميونيخ.. يخفق قلبها وهي تقرأ مشاعره التي يعبر لها عن حبه الكبير.. ردها كان قاسي .. كتبت إليه الرد تنكر معرفتها به وترجوه ألا يكرر مراسلتها.. لكنه يستمر في كتابه مشاعره إليها.. وبدورها ترد برسائل قاسية حتى توقف عند الرسالة العاشرة..نتيجة لعدم ردها عليه.. أدرك أن الخطأ يكمن في صمته وعمد بوحه لها بحبه قبل سفره.. وأن ذلك الصمت قد أفقده مريم.. وأن عدم مفاتحتها بما يحمله من مشاعر قد جنى على قلبه.
وهنا استطاعت يونس أن تصل بالقارئ إلى إلغاء فضيلة الصمت كما أرضعتناه ثقافتنا العربية.. وبالمقابل هي ترفع من مكانة وقيمة البوح.
في الوقت الذي كانت مريم تتردد على صندوق البريد علها تجد رسالة منه.. وظلت تتردد شهور وشهور حتى بعد أن تقدم لها (ناصر) ابن عائلة ميسورة ظلت متعلقة بأمل أن يبعث هلال برسالة.
ومثلما عانى هلال من عدم البوح لها بحبه قبل أن يغادر دبي.. هي الأخرى كانت تعاني من