ليت الدول العربية المطبعة، والحكومات والأنظمة التي تعترف بالكيان الصهيوني، وتأمل فيه خيراً وترجو منه رخاءً، وتتوقع معه سلاماً وتخطط وإياه مستقبلاً، وتأمن بوائقه وتطمئن إلى سرائره، وتظن أنها ستسلم من شروره، ولن تطالها حروبه، وسيحترم معها عهوده، وسيلتزم أمامها بمواثيقه، وسيفي لها بوعوده، وسيكون لها أخلص صديق، وأصدق معاهد وأسلم جار، وأفضل شريك وخير حليف.
والذين يستقبلون المسؤولين الإسرائيليين ويبتسمون لهم ويحتفون بهم، ويفركون أيدهم فرحاً بهم واستبشاراً بزيارتهم، ويقفون معهم ويسرون إليهم، ويهمسون في آذانهم ويتبادلون الضحكات معهم، ويرغمون شعوبهم على احترام إرادتهم والقبول بسياستهم، والترحيب بالأعلام الصهيونية التي ترفع في سماء بلادهم، والبشاشة في وجوه الناطقين باللغة العبرية، ومعتمري القلنسوة اليهودية، والذين تتدلى من سراويلهم الحبال “المقدسة”، وتطول سوالفهم ولا تخفى ملامحهم.
ليت هؤلاء جميعاً وغيرهم من المؤمنين بالسلام مع العدو، والمغرورين بانتعاش الاقتصاد ورفاهية الحياة بالاتفاق معه، الذين تغرهم الأشكال وتنطلي عليهم الوعود، ويظنون أن السراب ماءٌ، وأن الذي يلمع ذهبٌ، يعلمون ماذا يقول عنهم الإسرائيليون فيما بينهم، وكيف يصفونهم في مجالسهم، ويعلقون عليهم في وسائل إعلامهم، وعبر صفحاتهم الخاصة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يكونون في هذه الحالة أكثر صدقاً وتجرداً، وأشد وضوحاً وصراحةً، وهم يعبرون عن حقيقة مشاعرهم، ويرسمون بدقةٍ نظرتهم إلى العرب المطبعين، ورأيهم فيهم وانطباعهم عنهم، وأطماعهم في خيرات بلادهم وأموال مصارفهم.
لا يحترم الصهاينة العرب ولو عاهدوهم، ولا يوقرونهم ولو سالموهم، ولا يشكرونهم ولو اعترفوا بهم، ولا يدافعون عنهم ولو حالفوهم، ولا يصدقون معهم ولو أمنوهم، ولا يتوقفون عن التهكم عليهم والاستهزاء بهم، والتعليق عليهم والاستخفاف بهم، ولعلهم لا يبذلون جهداً في إخفاء مواقفهم أو تمويه تعليقاتهم، أو التخفيف من حدة آرائهم، أو محاولة تزينها وتلطيفها، أو ترميزها وتجهيلها لتكون عامةً ولا تكون حصراً ضدهم.
لسنا بحاجةٍ إلى المزيد من الجهد للبحث عن حقيقة مشاعر العدو الصهيوني تجاه من اعترفوا به وطبعوا معه، ولن نتكلف الكثير من العناء لنعرف أن الإسرائيليين ينظرون إلى العربي المطبع أنه صرافٌ آلي ومصرفٌ متحرك، تتطاير الأوراق النقدية من بين يديه أو تسقط من جيوب جلبابه، وهو يركض ولا يلتفت إليها، ولا يحاول التوقف لالتقاطها وجمعها، بينما يقوم عامل قمامةٍ إسرائيلي بجمعها وإعادة توضيبها ودسها في جيبه، قبل أن يفتح برميل النفايات ويرمي بـــ”العربي وكوفيته” فيه.
تكفي كلمات المغنية الإسرائيلية نوعم شوستر للدلالة على حجم سخرية الإسرائيليين بمن والوهم وصدقوهم، وأيدوهم وأكرموهم، وهي تقول “مفيش أحلى من عرب معهم ملايين، ونسيوا شعب انتكب، نسيوا فلسطين”، وقد انتشرت أغنيتها وشاعت، ولم تقم الحكومة الإسرائيلية المستفيدة من الاتفاقيات بحظرها ومنع انتشارها، مخافة أن يستيقظ المطبعون، وينتبه الغافلون، ويصحو من نومهم الحالمون، إلا أن هذه المخاوف تبددت ولم يقع منها شيء، علماً أن المطربة الإسرائيلية قد أدت أغنيتها الساخرة باللغة العربية، لكن على ما يبدو أن أحداً من الواهمين لم يفهم كلماتها، رغم أنها كانت واضحة وبينة، وصريحة وسهلة.
أما المتابع للفضاء الافتراضي الإسرائيلي فإنه سيصدم بصورٍ كرتونية وأخرى صريحة، تصور مواطنين عرباً وقادتهم، وهم يساقون بحبلٍ، ويقودهم إسرائيلي كقطيع، ويدفع بهم أمريكي بعصا، أو يتقدمهم بدبابةٍ، وأخرى تصورهم وهم يدخلون “بيت الطاعة”، وينشدون “الهاتيكفاه”، أو يعتمرون “القلنسوة”، ويذرفون الدموع أمام نصب “الهولوكوست” “الياد فاشيم” في القدس، وغير ذلك من الصور المذلة والمهينة، ومنها تلك التي تظهر اليهودي وهو يلقي في برميل النفايات، قطعة مهشمة مسحوقة تشير إلى العربي وترمز إليه بعد الانتهاء من استخدامه، وأخذ حاجتهم منه.
أما الشركات السياحية الإسرائيلية فقد طالبت السواح العرب بسخريةٍ وتهكم، أن يعلقوا على صدروهم شارةً يكتبون فيها جنسيتهم العربية، لئلا يظنهم الإسرائيليون فلسطينيين، فيتعرضون لمعاملةٍ قاسيةٍ، وإساءةٍ مقصودة، وتوقيفٍ طويلٍ في المطار تنفيذاً لإجراءاتٍ أمنيةٍ مهينةٍ.
لم تخلُ الشوارع الإسرائيلية من صورٍ لسيداتٍ عربياتٍ يقدن السيارات، وأخرياتٍ يظهرن بثيابٍ عصريةٍ وأناقةٍ غربيةٍ، وقد ألقين جانباً جلابيبهن وحجابهن، وهن يسرعن الخطى بثقةٍ لا خوف فيها، وجرأةٍ لا شيء يحدها، وذلك في معرض سخريتهم من أنظمة بعض الدول العربية وقوانينها.
أما صور القادة العرب، رؤساءً وملوكاً وأمراء، فإنهم يتلقون النصيب الأوفر من التعليقات الإسرائيلية، التي تظهرهم بصورٍ مزريةٍ وأشكال مضحكة، وكأنهم أراجيز يضحك لها الأطفال ويتهكم عليها الكبار، يقلدون أصواتهم، ويتنافسون في التندر عليهم والاستهزاء بهم، والغريب في الأمر أن الذين يتعرضون للتنمر والتهكم هم من الدول الي اعترفت وطبعت، وليسوا من مواطني البلاد التي تصنف بأنها معادية.
لا يهزأ الإسرائيليون من الفلسطينيين وحسب، ولا يزدرون المقاومين فقط، ولا يتطاولون على من يرفض وجودهم ويقاوم استيطانهم، بل إنهم يكرهون العرب عموماً، ولا يحبون المسلمين أبداً، ولا يقبلون عربياً جاراً لهم أو شريكاً معهم، ولا منافساً لهم أو متعاوناً معم، اللهم إلا أن يكون أداةً بيده، ووسيلةً يستخدمها، ومطيةً يركبها، وحاجةً له عنده، ورغم ذلك فإن من ارتضى الهوان وقبل بالذل، ومشى خلفهم واتبع سياستهم، فإنه لن يسلم من سخريتهم، ولن يأمن من مؤامراتهم، وسينقلبون عليه عندما تتاح لهم الفرص وتتهيأ لهم الظروف، إنهم اليهود شذاذ الآفاق وشرار الخلق، صناع الفتنة ومفجرو الحروب، قتلة الأنبياء وأرباب الجريمة، أهل التآمر وأصحاب الرذيلة.